المسألة الثانية عشرة : قوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } : اختلف الصحابة والتابعون في ، هذا وهم القدوة الفصحاء اللسن البلغاء من وقوع الطلاق بمضي المدة العرب العرب ، فإذا أشكلت عليهم فمن ذا الذي تتضح له منا بالأفهام المختلفة واللغة المعتلة ، ولكن إن ألقينا الدلو في الدلاء لم نعدم بعون الله الدواء ، ولم نحرم الاهتداء في الاقتداء .
[ ص: 247 ] قال علماؤنا : قوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق } دليل على أن مضي المدة لا يوقع فرقة ; إذ لا بد من مراعاة قصده واعتبار عزمه .
وقال المخالف ، وهو وأصحابه : إن عزيمة الطلاق تعلم منه بترك الفيئة مدى التربص . أبو حنيفة
أجاب علماؤنا بأن العزم على الماضي محال ، وحكم الله تعالى الواقع بمضي المدة لا يصح أن يتعلق به عزيمة منا .
وتحقيق الأمر أن تقرير الآية عندنا : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ، فإن فاءوا بعد انقضائها فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم " .
وتقريرها عندهم : " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ، فإن فاءوا فيها فإن الله غفور رحيم ، وإن عزموا الطلاق بترك الفيئة فيها فإن الله سميع عليم " .
وهذا احتمال متساو ، ولأجل تساويه توقفت الصحابة فيه ، فوجب والحالة هذه اعتبار المسألة من غيره ، وهو بحر متلاطم الأمواج ، ولقد كنت أقمت بالمدرسة التاجية مدة لكشف هذه المسألة بالمناظرة ، ثم ترددت في المدرسة النظامية آخرا لأجلها .
فالذي انتهى إليه النظر بين الأئمة أن أصحاب قالوا : كان الإيلاء طلاقا في الجاهلية ، فزاد فيه الشرع المدة والمهلة ، فأقره طلاقا بعد انقضائها . أبي حنيفة
قلنا : هذه دعوى .
قالوا : وتغييرها دعوى .
قلنا : أما شرع من قبلنا فربما قلنا إنه شرع لنا معكم أو وحدنا وأما أحكام الجاهلية فليست بمعتبرة ، وهذا موقف مشكل جدا ، وعليه اعتراض عظيم بيانه في كتب المسائل ، الاعتراض حديث : { عائشة } . كان النكاح على أربعة أنحاء ، فأقر الإسلام واحدا
وأما علماؤنا فرأوا أن ضرر حادث بالزوجة ; فضربت له في [ ص: 248 ] رفعه مدة ، فإن رفع الضرر وإلا رفعه الشرع عنها ; وذلك يكون بالطلاق كما يحكم في كل ضرر يتعلق بالوطء كالجب والعنة وغيرهما ، وهذا غاية ما وقف عليه البيان هاهنا ; واستيفاؤه في المسائل ، والله أعلم . اليمين على ترك الوطء