تفسير سورة طه هي مكية . 
 [ ص: 271 ] 
روى إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة  في كتاب " التوحيد " ، عن زياد بن أيوب  ، عن  إبراهيم بن المنذر الحزامي  ، حدثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار  ، عن عمر بن حفص بن ذكوان  ، عن مولى الحرقة - يعني عبد الرحمن بن يعقوب   - عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إن الله قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما سمعت الملائكة قالوا : طوبى لأمة ينزل عليهم هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسن تتكلم بهذا " . 
هذا حديث غريب ، وفيه نكارة ، وإبراهيم بن مهاجر  وشيخه تكلم فيهما . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( طه   ( 1 ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى    ( 2 ) إلا تذكرة لمن يخشى   ( 3 ) تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا   ( 4 ) الرحمن على العرش استوى   ( 5 ) له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى   ( 6 ) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى   ( 7 ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى   ( 8 ) ) 
تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة " البقرة " بما أغنى عن إعادته . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي  ، حدثنا  أبو أحمد - يعني : الزبيري   - أنبأنا إسرائيل  عن سالم الأفطس  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : طه يا رجل . وهكذا روي عن مجاهد ،  وعكرمة ،   وسعيد بن جبير  ،  وعطاء   ومحمد بن كعب  ، وأبي مالك  ،  وعطية العوفي  ، والحسن ،  وقتادة ،  والضحاك ،   والسدي ،   وابن أبزى  أنهم قالوا : " طه " بمعنى : يا رجل . 
وفي رواية عن ابن عباس  ،  وسعيد بن جبير   والثوري  أنها كلمة بالنبطية معناها : يا رجل . وقال أبو صالح  هي معربة . 
وأسند القاضي عياض  في كتابه " الشفاء " من طريق عبد بن حميد  في تفسيره : حدثنا هاشم بن  [ ص: 272 ] القاسم  عن ابن جعفر  ، عن الربيع بن أنس  قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله تعالى ) طه ) ، يعني : طأ الأرض يا محمد ، ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى   ) . ثم قال : ولا خفاء بما في هذا من الإكرام وحسن المعاملة . 
وقوله ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى   ) قال جويبر ،  عن الضحاك   : لما أنزل الله القرآن على رسوله ، قام به هو وأصحابه ، فقال المشركون من قريش   : ما أنزل هذا القرآن على محمد  إلا ليشقى! فأنزل الله تعالى : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى   ) . 
فليس الأمر كما زعمه المبطلون ، بل من آتاه الله العلم فقد أراد به خيرا كثيرا ، كما ثبت في الصحيحين ، عن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " . 
وما أحسن الحديث الذي رواه الحافظ  أبو القاسم الطبراني  في ذلك حيث قال : 
حدثنا أحمد بن زهير  ، حدثنا العلاء بن سالم  ، حدثنا إبراهيم الطالقاني  ، حدثنا ابن المبارك  ، عن سفيان ،  عن  سماك بن حرب  ، عن ثعلبة بن الحكم  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه لقضاء عباده : إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ، ولا أبالي " . 
إسناده جيد وثعلبة بن الحكم هذا هو الليثي  ذكره أبو عمر  في استيعابه ، وقال : نزل البصرة ،  ثم تحول إلى الكوفة ،  وروى عنه  سماك بن حرب   . 
وقال مجاهد  في قوله : ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى   ) : هي كقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من   ) [ المزمل : 20 ] وكانوا يعلقون الحبال بصدورهم في الصلاة . 
وقال قتادة   : ( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى   ) : لا والله ما جعله شقاء ، ولكن جعله رحمة ونورا ، ودليلا إلى الجنة . 
( إلا تذكرة لمن يخشى   ) : إن الله أنزل كتابه ، وبعث رسله رحمة ، رحم بها العباد ، ليتذكر ذاكر ، وينتفع رجل بما سمع من كتاب الله ، وهو ذكر أنزل الله فيه حلاله وحرامه . 
وقوله : ( تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا   ) أي : هذا القرآن الذي جاءك يا محمد   [ ص: 273 ] هو تنزيل من ربك رب كل شيء ومليكه ، القادر على ما يشاء ، الذي خلق الأرض بانخفاضها وكثافتها ، وخلق السماوات العلا في ارتفاعها ولطافتها . وقد جاء في الحديث الذي صححه الترمذي  وغيره . أن سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبعد ما بينها والتي تليها مسيرة خمسمائة عام . 
وقد أورد ابن أبي حاتم  هاهنا حديث الأوعال من رواية  العباس عم رسول الله  صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه . 
وقوله ( الرحمن على العرش استوى   ) : تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف ، بما أغنى عن إعادته أيضا ، وأن المسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف ، إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ، ولا تشبيه ، ولا تعطيل ، ولا تمثيل . 
وقوله : ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى    ) أي : الجميع ملكه وفي قبضته ، وتحت تصريفه ومشيئته وإرادته وحكمه ، وهو خالق ذلك ومالكه وإلهه ، لا إله سواه ، ولا رب غيره . 
وقوله : ( وما تحت الثرى   ) قال محمد بن كعب   : أي ما تحت الأرض السابعة . 
وقال الأوزاعي   : إن  يحيى بن أبي كثير  حدثه أن كعبا  سئل فقيل له : ما تحت هذه الأرض ؟ فقال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض . قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : الماء . قيل : وما تحت الماء ؟ قال : الأرض ، قيل : وما تحت الأرض ؟ قال : صخرة . قيل : وما تحت الصخرة ؟ قال : ملك . قيل : وما تحت الملك ؟ قال : حوت معلق طرفاه بالعرش ، قيل : وما تحت الحوت ؟ قال : الهواء والظلمة وانقطع العلم . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب  ، حدثنا عمي ، حدثنا  عبد الله بن عياش  ، حدثنا عبد الله بن سليمان  عن دراج ،  عن عيسى بن هلال الصدفي  ، عن عبد الله بن عمرو  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ، والعليا منها على ظهر حوت ، قد التقى طرفاه في السماء ، والحوت على صخرة ، والصخرة بيد الملك ، والثانية سجن الريح ، والثالثة فيها حجارة جهنم ، والرابعة فيها كبريت جهنم ، والخامسة فيها حيات جهنم والسادسة فيها عقارب جهنم ، والسابعة فيها سقر ، وفيها إبليس مصفد بالحديد ، يد أمامه ويد خلفه ،  [ ص: 274 ] فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه " . 
هذا حديث غريب جدا ورفعه فيه نظر . 
وقال الحافظ أبو يعلى  في مسنده : حدثنا أبو موسى الهروي  ، عن العباس بن الفضل  قال : قلت : ابن الفضل الأنصاري  ؟ قال : نعم ، عن القاسم بن عبد الرحمن  ، عن محمد بن علي  ، عن  جابر بن عبد الله  قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،  فأقبلنا راجعين في حر شديد ، فنحن متفرقون بين واحد واثنين ، منتشرين ، قال : وكنت في أول العسكر : إذ عارضنا رجل فسلم ثم قال : أيكم محمد ؟  ومضى أصحابي ووقفت معه ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل في وسط العسكر على جمل أحمر ، مقنع بثوبه على رأسه من الشمس ، فقلت : أيها السائل ، هذا رسول الله قد أتاك . فقال : أيهم هو ؟ فقلت : صاحب البكر الأحمر . فدنا منه ، فأخذ بخطام راحلته ، فكف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أنت محمد ؟  قال : " نعم " . قال : إني أريد أن أسألك عن خصال ، لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سل عما شئت " . فقال : يا محمد ، أينام النبي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تنام عيناه ولا ينام قلبه " . قال : صدقت . ثم قال : يا محمد ،  من أين يشبه الولد أباه وأمه ؟ قال : ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فأي الماءين غلب على الآخر نزع الولد " . فقال صدقت . فقال : ما للرجل من الولد وما للمرأة منه ؟ فقال : " للرجل العظام والعروق والعصب ، وللمرأة اللحم والدم والشعر . قال : صدقت . ثم قال : يا محمد ، ما تحت هذه ؟ يعني الأرض . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق " . فقال : فما تحتهم ؟ قال : " أرض " . قال : فما تحت الأرض ؟ قال " الماء " قال : فما تحت الماء ؟ قال : " ظلمة " . قال : فما تحت الظلمة ؟ قال : " الهواء " . قال : فما تحت الهواء ؟ قال : " الثرى " . قال : فما تحت الثرى ؟ ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، وقال : " انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق ، أيها السائل ، ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فقال : صدقت ، أشهد أنك رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، هل تدرون من هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هذا جبريل  صلى الله عليه وسلم  . 
هذا حديث غريب جدا ، وسياق عجيب ، تفرد به القاسم بن عبد الرحمن  هذا ، وقد قال فيه  يحيى بن معين   : " ليس يساوي شيئا " وضعفه  أبو حاتم الرازي  ، وقال  ابن عدي   : لا يعرف . 
 [ ص: 275 ] 
قلت : وقد خلط في هذا الحديث ، ودخل عليه شيء في شيء ، وحديث في حديث . وقد يحتمل أنه تعمد ذلك ، أو أدخل عليه فيه ، فالله أعلم . 
وقوله : ( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى    ) أي : أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلا ، الذي يعلم السر وأخفى ، كما قال تعالى : ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما   ) [ الفرقان : 6 ] . 
قال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس   : ( يعلم السر وأخفى   ) قال : السر ما أسر ابن آدم في نفسه ، ( وأخفى   ) : ما أخفى على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه فالله يعلم ذلك كله ، فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد ، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة ، وهو قوله : ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة   ) [ لقمان : 28 ] . 
وقال الضحاك   : ( يعلم السر وأخفى   ) قال : السر ما تحدث به نفسك ، وأخفى : ما لم تحدث به نفسك بعد . 
وقال سعيد بن جبير   : أنت تعلم ما تسر اليوم ، ولا تعلم ما تسر غدا ، والله يعلم ما تسر اليوم ، وما تسر غدا . 
وقال مجاهد   : ( وأخفى   ) يعني : الوسوسة . 
وقال أيضا هو  وسعيد بن جبير   : ( وأخفى   ) أي : ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه . 
وقوله : ( الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى   ) أي : الذي أنزل القرآن عليك هو الله الذي لا إله إلا هو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا . 
وقد تقدم بيان الأحاديث الواردة في الأسماء الحسنى في أواخر سورة " الأعراف " ولله الحمد والمنة . 
				
						
						
