[ ص: 304 ]  ( قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى    ( 71 ) قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا   ( 72 ) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى   ( 73 ) ) . 
يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون  وعناده  وبغيه ومكابرته الحق بالباطل ، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة ، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم وغلب كل الغلب - شرع في المكابرة والبهت ، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة ، فتهددهم وأوعدهم وقال ( آمنتم له   ) أي : صدقتموه ( قبل أن آذن لكم   ) أي : وما أمرتكم بذلك ، وافتتم علي في ذلك . وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب : ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر   ) أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى ، واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي ، لتظهروه ، كما قال في الآية الأخرى : ( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون   ) [ الأعراف 123 ] . 
ثم أخذ يتهددهم فقال : ( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل   ) أي : لأجعلنكم مثلة [ ولأقتلنكم ] ولأشهرنكم . 
قال ابن عباس   : فكان أول من فعل ذلك . رواه ابن أبي حاتم   . 
وقوله : ( ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى   ) أي أنتم تقولون : إني وقومي على ضلالة ، وأنتم مع موسى وقومه على الهدى . فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه . 
فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم ، هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل ، و ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات   ) أي : لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين . ( والذي فطرنا   ) يحتمل أن يكون قسما ، ويحتمل أن يكون معطوفا على البينات . 
يعنون : لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم ، المبتدئ خلقنا من الطين ، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت . 
( فاقض ما أنت قاض   ) أي : فافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك ، ( إنما تقضي هذه الحياة الدنيا   ) أي : إنما لك تسلط في هذه الدار ، وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار .  [ ص: 305 ] 
( إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا   ) أي : ما كان منا من الآثام ، خصوصا ما أكرهتنا عليه من السحر لنعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ،  حدثنا سفيان بن عيينة ،  عن أبي سعيد ،  عن عكرمة ، عن ابن عباس  في قوله : ( وما أكرهتنا عليه من السحر   ) قال : أخذ فرعون  أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يعلموا السحر بالفرما ، وقال : علموهم تعليما لا يعلمه أحد في الأرض . قال ابن عباس   : فهم من الذين آمنوا بموسى ،  وهم من الذين قالوا : (  [ إنا ] آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر   ) . 
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم   . 
وقوله : ( والله خير وأبقى   ) أي : خير لنا منك ) وأبقى ) أي : أدوم ثوابا مما كنت وعدتنا ومنيتنا . وهو رواية عن ابن إسحاق ،  رحمه الله . 
وقال  محمد بن كعب القرظي   : ( والله خير   ) أي : لنا منك إن أطيع ، ( وأبقى ) أي : منك عذابا إن عصي . 
وروي نحوه عن ابن إسحاق  أيضا : 
والظاهر أن فرعون   - لعنه الله - صمم على ذلك وفعله بهم ، رحمهم الله; ولهذا قال ابن عباس  وغيره من السلف : أصبحوا سحرة ، وأمسوا شهداء . 
				
						
						
