[ ص: 313 ]  ( قال فما خطبك ياسامري    ( 95 ) قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي   ( 96 ) قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا   ( 97 ) إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما   ( 98 ) ) . 
يقول موسى ،  عليه السلام ، للسامري   : ما حملك على ما صنعت؟ وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت؟ 
قال محمد بن إسحاق ،  عن حكيم بن جبير ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس  قال : كان السامري  رجلا من أهل باجرما ،  وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان حب عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام مع بني إسرائيل . وكان اسم السامري   : موسى بن ظفر   . 
وفي رواية عن ابن عباس   : [ أنه ] كان من كرمان   . 
وقال قتادة   : كان من قرية اسمها سامرا   . 
( قال بصرت بما لم يبصروا به   ) أي : رأيت جبريل  حين جاء لهلاك فرعون ،   ( فقبضت قبضة من أثر الرسول   ) أي : من أثر فرسه . وهذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث ،  أخبرنا  عبيد الله بن موسى ،  أخبرنا إسرائيل ،  عن  السدي ،  عن أبي بن عمارة ،  عن علي ،  رضي الله عنه ، قال : إن جبريل ،  عليه السلام ، لما نزل فصعد بموسى  إلى السماء ، بصر به السامري  من بين الناس ، فقبض قبضة من أثر الفرس قال : وحمل جبريل  موسى  خلفه ، حتى إذا دنا من باب السماء ، صعد وكتب الله الألواح وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح . فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده قال : نزل موسى ،  فأخذ العجل فأحرقه  . غريب . وقال مجاهد   : ( فقبضت قبضة من أثر الرسول   ) قال : من تحت حافر فرس جبريل ،  قال : والقبضة ملء الكف ، والقبضة بأطراف الأصابع . 
قال مجاهد   : نبذ السامري ،  أي : ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل ، فانسبك عجلا جسدا له خوار حفيف الريح فيه ، فهو خواره . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا محمد بن يحيى ،  أخبرنا علي ابن المديني ،  حدثنا  يزيد بن زريع ،  حدثنا عمارة ،  حدثنا عكرمة;  أن السامري  رأى الرسول ، فألقي في روعه أنك إن أخذت من أثر هذا الفرس قبضة فألقيتها في شيء ، فقلت له : " كن فكان " فقبض قبضة من أثر الرسول ، فيبست أصابعه على القبضة ، فلما ذهب موسى  للميقات وكان بنو إسرائيل استعاروا حلي آل فرعون  ، فقال لهم السامري   : إنما أصابكم من أجل هذا الحلي ، فاجمعوه . فجمعوه ، فأوقدوا عليه ، فذاب ، فرآه السامري فألقي في روعه أنك لو قذفت هذه القبضة في هذه فقلت : " كن " كان . فقذف القبضة وقال : " كن " ، فكان عجلا له خوار ، فقال : ( هذا إلهكم وإله موسى   )  . 
ولهذا قال : ( فنبذتها   ) أي : ألقيتها مع من ألقى ، ( وكذلك سولت لي نفسي   ) أي : حسنته وأعجبها إذ ذاك . 
( قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس   ) أي : كما أخذت ومسست ما لم  [ ص: 314 ] يكن أخذه ومسه من أثر الرسول ، فعقوبتك في الدنيا أن تقول : " لا مساس " أي : لا تماس الناس ولا يمسونك . 
( وإن لك موعدا   ) أي : يوم القيامة ، ( لن تخلفه   ) أي : لا محيد لك عنه . 
وقال قتادة   : ( أن تقول لا مساس   ) قال : عقوبة لهم ، وبقاياهم اليوم يقولون : لا مساس . 
وقوله : ( وإن لك موعدا لن تخلفه   ) قال الحسن ،  وقتادة ،  وأبو نهيك   : لن تغيب عنه . 
وقوله : ( وانظر إلى إلهك   ) أي : معبودك ، ( الذي ظلت عليه عاكفا   ) أي : أقمت على عبادته ، يعني : العجل ( لنحرقنه   ) قال الضحاك  عن ابن عباس  ،  والسدي   : سحله بالمبارد ، وألقاه على النار . 
وقال قتادة   : استحال العجل من الذهب لحما ودما ، فحرقه بالنار ، ثم ألقاه ، أي : رماده في البحر; ولهذا قال : ( ثم لننسفنه في اليم نسفا   ) . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء  ، أنبأنا إسرائيل ،  عن أبي إسحاق ،  عن عمارة بن عبد  وأبي عبد الرحمن ،  عن علي ،  رضي الله عنه ، قال : إن موسى  لما تعجل إلى ربه ، عمد السامري  فجمع ما قدر عليه من حلي نساء بني إسرائيل ، ثم صوره عجلا قال : فعمد موسى  إلى العجل ، فوضع عليه المبارد ، فبرده بها ، وهو على شط نهر ، فلم يشرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب . فقالوا لموسى   : ما توبتنا ؟ قال : يقتل بعضكم بعضا . 
وهكذا قال  السدي   : وقد تقدم في تفسير سورة " البقرة " ثم في حديث " الفتون " بسط ذلك . 
وقوله : ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما   ) يقول لهم موسى ،  عليه السلام : ليس هذا إلهكم ، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ] أي : لا يستحق ذلك على العباد إلا هو ، ولا تنبغي العبادة إلا له ، فإن كل شيء فقير إليه ، عبد لربه . 
وقوله : ( وسع كل شيء علما   ) نصب على التمييز ، أي : هو عالم بكل شيء ، ( أحاط بكل شيء علما   ) [ الطلاق : 12 ] ، ( وأحصى كل شيء عددا   ) [ الجن : 28 ] ، فلا ( يعزب عنه مثقال ذرة   ) [ سبأ : 3 ] ، ( وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين   ) [ الأنعام : 59 ] ، ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين   ) [ هود : 6 ] والآيات في هذا كثيرة جدا . 
				
						
						
