( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ( 73 ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ( 74 ) ) .
يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها : ( يا أيها الناس ضرب مثل ) أي : لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به ، ( فاستمعوا له ) أي : أنصتوا وتفهموا ، ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ) أي : لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا [ ص: 454 ] على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك . كما قال . الإمام أحمد
حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا شريك ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن رفع الحديث قال : " أبي هريرة " . ومن أظلم ممن خلق [ خلقا ] كخلقي؟ فليخلقوا مثل خلقي ذرة ، أو ذبابة ، أو حبة
وأخرجه صاحبا الصحيح ، من طريق عمارة ، عن أبي زرعة ، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : أبي هريرة ، فليخلقوا ذرة ، فليخلقوا شعيرة " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ . "
ثم قال تعالى أيضا : ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) أي : هم عاجزون عن خلق ذباب واحد ، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه ، لو سلبها شيئا من الذي عليها من الطيب ، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك . هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها ولهذا [ قال : ( ضعف الطالب والمطلوب ) ] .
قال ابن عباس : الطالب : الصنم ، والمطلوب : الذباب . واختاره ابن جرير ، وهو ظاهر السياق . وقال وغيره : الطالب : العابد ، والمطلوب : الصنم . السدي
ثم قال : ( ما قدروا الله حق قدره ) أي : ما عرفوا قدر الله وعظمته حين عبدوا معه غيره ، من هذه التي لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها ، ( إن الله لقوي عزيز ) أي : هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء ، ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) [ الروم : 27 ] ، ( إن بطش ربك لشديد . إنه هو يبدئ ويعيد ) [ البروج : 12 ، 13 ] ، ( إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) [ الذاريات : 58 ] .
وقوله : ( عزيز ) أي : قد عز كل شيء فقهره وغلبه ، فلا يمانع ولا يغالب ، لعظمته وسلطانه ، وهو الواحد القهار .