( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون    ( 84 ) سيقولون لله قل أفلا تذكرون   ( 85 ) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم   ( 86 ) سيقولون لله قل أفلا تتقون   ( 87 ) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون   ( 88 ) سيقولون لله قل فأنى تسحرون   ( 89 ) ) 
( بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون   ( 90 ) ) . 
يقرر تعالى وحدانيته ، واستقلاله بالخلق والتصرف والملك  ، ليرشد إلى أنه الذي لا إله إلا هو ، ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له; ولهذا قال لرسوله محمد  صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره ، المعترفين له بالربوبية ، وأنه لا شريك له فيها ، ومع هذا فقد أشركوا معه في  [ ص: 489 ] الإلهية ، فعبدوا غيره معه ، مع اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئا ، ولا يملكون شيئا ، ولا يستبدون بشيء ، بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى   ) [ الزمر : 3 ] ، فقال : ( قل لمن الأرض ومن فيها   ) أي : من مالكها الذي خلقها ومن فيها من الحيوانات والنباتات والثمرات ، وسائر صنوف المخلوقات ( إن كنتم تعلمون . سيقولون لله   ) أي : فيعترفون لك بأن ذلك لله وحده لا شريك له ، فإذا كان ذلك ( قل أفلا تذكرون   ) [ أي : لا تذكرون ] أنه لا تنبغي العبادة إلا للخالق الرازق  لا لغيره . 
( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم   ) أي : من هو خالق العالم العلوي بما فيه من الكواكب النيرات  ، والملائكة الخاضعين له في سائر الأقطار منها والجهات ، ومن هو رب العرش العظيم ، يعني : الذي هو سقف المخلوقات ، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :  " شأن الله أعظم من ذلك ، إن عرشه على سماواته هكذا " وأشار بيده مثل القبة . 
وفي الحديث الآخر :  " ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة " . 
ولهذا قال بعض السلف : إن مسافة ما بين قطري العرش من جانب إلى جانب مسيرة خمسين ألف سنة ، [ وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة ] . 
وقال الضحاك ،  عن ابن عباس   : إنما سمي عرشا لارتفاعه . 
وقال الأعمش  عن كعب الأحبار   : إن السماوات والأرض في العرش ، كالقنديل المعلق بين السماء والأرض . 
وقال مجاهد   : ما السماوات والأرض في العرش إلا كحلقة في أرض فلاة . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا العلاء بن سالم ،  حدثنا  وكيع ،  حدثنا  سفيان الثوري ،  عن  عمار الدهني  ، عن مسلم البطين ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس  قال : العرش لا يقدر أحد قدره   . وفي رواية : إلا الله عز وجل  . 
وقال بعض السلف : العرش من ياقوتة حمراء . 
ولهذا قال هاهنا : ( ورب العرش العظيم   ) يعني : الكبير : وقال في آخر السورة : ( رب العرش الكريم   )  [ ص: 490 ] أي : الحسن البهي . فقد جمع العرش بين العظمة في الاتساع والعلو ، والحسن الباهر; ولهذا قال من قال : إنه من ياقوتة حمراء . 
وقال ابن مسعود   : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور العرش من نور وجهه . 
وقوله : ( سيقولون لله قل أفلا تتقون   ) أي : إذا كنتم تعترفون بأنه رب السماوات ورب العرش العظيم ، أفلا تخافون عقابه وتحذرون عذابه ، في عبادتكم معه غيره وإشراككم به؟ 
قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشي  في كتاب " التفكر والاعتبار " : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ،  أخبرنا عبد الله بن جعفر ،  أخبرني  عبد الله بن دينار ،  عن ابن عمر  قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل ، معها ابن لها يرعى غنما ، فقال لها ابنها : يا أماه ، من خلقك؟ قالت : الله . قال : فمن خلق أبي؟ قالت : الله . قال : فمن خلقني؟ قالت : الله . قال : فمن خلق السماء؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الأرض؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الجبل؟ قالت : الله . قال : فمن خلق هذه الغنم؟ قالت : الله . قال : فإني أسمع لله شأنا ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع . 
قال ابن عمر   : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يحدثنا هذا الحديث . 
قال  عبد الله بن دينار   : كان ابن عمر  كثيرا ما يحدثنا بهذا الحديث . 
قلت : في إسناده عبد الله بن جعفر المديني ، والد الإمام علي بن المديني ،  وقد تكلموا فيه ، فالله أعلم . 
( قل من بيده ملكوت كل شيء   ) أي : بيده الملك ، ( ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها   ) [ هود : 56 ] ، أي : متصرف فيها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا والذي نفسي بيده " ، وكان إذا اجتهد في اليمين قال : " لا ومقلب القلوب " ، فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف ، ( وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون   ) كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحدا ، لا يخفر في جواره ، وليس لمن دونه أن يجير عليه ، لئلا يفتات عليه ، ولهذا قال الله : ( وهو يجير ولا يجار عليه   ) أي : وهو السيد العظيم الذي لا أعظم منه ، الذي له الخلق والأمر ، ولا معقب لحكمه ، الذي لا يمانع ولا يخالف ، وما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وقال الله : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون   ) [ الأنبياء : 23 ] ، أي : لا يسئل عما يفعل; لعظمته وكبريائه ، وقهره وغلبته ، وعزته وحكمته ، والخلق كلهم يسألون عن  [ ص: 491 ] أعمالهم ، كما قال تعالى : ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون   ) [ الحجر : 92 ، 93 ] . 
وقوله : ( سيقولون لله   ) أي : سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ولا يجار عليه ، هو الله تعالى ، وحده لا شريك له ( قل فأنى تسحرون   ) أي : فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك . 
ثم قال تعالى : ( بل أتيناهم بالحق   ) ، وهو الإعلام بأنه لا إله إلا الله ،  وأقمنا الأدلة الصحيحة الواضحة القاطعة على ذلك ، ( وإنهم لكاذبون   ) أي : في عبادتهم مع الله غيره ، ولا دليل لهم على ذلك ، كما قال في آخر السورة : ( ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون   ) ، فالمشركون لا يفعلون ذلك [ عن دليل قادهم إلى ما هم فيه من الإفك والضلال ، وإنما يفعلون ذلك ] اتباعا لآبائهم وأسلافهم الحيارى الجهال ، كما قالوا : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون   ) [ الزخرف : 23 ] . 
				
						
						
