[ ص: 28 ]  ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم    ( 14 ) إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم   ( 15 ) ) 
يقول [ الله ] : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة   ) أيها الخائضون في شأن عائشة ،  بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا ، وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الآخرة ، ( لمسكم في ما أفضتم فيه   ) ، من قضية الإفك ، ( عذاب عظيم ) . وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه التوبة إليه ، كمسطح ،  وحسان ،  وحمنة بنت جحش ،  أخت زينب بنت جحش   . فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي بن سلول  وأضرابه ، فليس أولئك مرادين في هذه الآية; لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه . وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين ، يكون مطلقا مشروطا بعدم التوبة ، أو ما يقابله من عمل صالح يوازنه أو يرجح عليه . 
ثم قال تعالى : ( إذ تلقونه بألسنتكم   ) قال مجاهد ،   وسعيد بن جبير   : أي : يرويه بعضكم عن بعض ، يقول هذا : سمعته من فلان ، وقال فلان كذا ، وذكر بعضهم كذا . 
وقرأ آخرون " إذ تلقونه بألسنتكم   . وفي صحيح  البخاري  عن عائشة   : أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول : هو من ولق القول . يعني : الكذب الذي يستمر صاحبه عليه ، تقول العرب : ولق فلان في السير : إذا استمر فيه ، والقراءة الأولى أشهر ، وعليها الجمهور ، ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة   . 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو سعيد الأشج ،  حدثنا أبو أسامة ،  عن  نافع بن عمر  ، عن  ابن أبي مليكة ،   [ عن عائشة  أنها كانت تقرأ : " إذ تلقونه " وتقول : إنما هو ولق القول - والولق : الكذب . قال  ابن أبي مليكة   ] : هي أعلم به من غيرها . 
وقوله : ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم   ) أي : تقولون ما لا تعلمون . 
ثم قال تعالى : ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم   ) أي : تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين ، وتحسبون ذلك يسيرا [ سهلا ] ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا ، فكيف وهي زوجة النبي الأمي ، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل! الله يغار لهذا ، وهو سبحانه وتعالى ، لا يقدر على زوجة نبي من أنبيائه ذلك ، حاشا وكلا ولما [ لم يكن ذلك ] فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء ، وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة؟! ولهذا قال تعالى ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم   ) ، وفي الصحيحين :  [ ص: 29 ] إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يدري ما تبلغ ، يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " وفي رواية : " لا يلقي لها بالا  " . 
				
						
						
