( كذبت عاد المرسلين    ( 123 ) إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون   ( 124 ) إني لكم رسول أمين   ( 125 ) فاتقوا الله وأطيعون   ( 126 ) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين   ( 127 ) أتبنون بكل ريع آية تعبثون   ( 128 ) وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون   ( 129 ) وإذا بطشتم بطشتم جبارين   ( 130 ) فاتقوا الله وأطيعون   ( 131 ) واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون   ( 132 ) أمدكم بأنعام وبنين   ( 133 ) وجنات وعيون   ( 134 ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم   ( 135 ) ) . 
وهذا إخبار من [ الله تعالى عن ] عبده ورسوله هود  ، عليه السلام ، أنه دعا قومه عادا ،  وكانوا قوما يسكنون الأحقاف ،  وهي : جبال الرمل قريبا من بلاد حضرموت  متاخمة لبلاد اليمن ،  وكان زمانهم بعد قوم نوح ،   [ كما قال في " سورة الأعراف " : ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح   ] وزادكم في الخلق بصطة   ) [ الأعراف : 69 ] وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب ، والقوة والبطش الشديد ، والطول المديد ، والأرزاق الدارة ، والأموال والجنات والعيون ، والأبناء والزروع والثمار ، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه ، فبعث الله إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرا ونذيرا ، فدعاهم إلى الله وحده ، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته ، فقال لهم كما قال نوح  لقومه ، إلى أن قال : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون   ) ، اختلف المفسرون في الريع بما حاصله : أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة . تبنون هناك بناء محكما باهرا هائلا ; ولهذا قال : ( أتبنون بكل ريع آية   ) أي : معلما بناء مشهورا ، تعبثون ، وإنما تفعلون ذلك عبثا لا للاحتياج إليه ; بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ; ولهذا أنكر عليهم نبيهم ، عليه السلام ، ذلك ; لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة ، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة . 
ثم قال : ( وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون   ) . قال مجاهد   : المصانع : البروج المشيدة ، والبنيان المخلد . وفي رواية عنه : بروج الحمام . 
 [ ص: 153 ] 
وقال قتادة   : هي مأخذ الماء . قال قتادة   : وقرأ بعض القراء : وتتخذون مصانع كأنكم خالدون " . 
وفي القراءة المشهورة : ( لعلكم تخلدون   ) أي : لكي تقيموا فيها أبدا ، وليس ذلك بحاصل لكم ، بل زائل عنكم ، كما زال عمن كان قبلكم . 
وقال ابن أبي حاتم  ، رحمه الله : حدثنا أبي ، حدثنا  الحكم بن موسى  ، حدثنا الوليد  ، حدثنا ابن عجلان  ، حدثني  عون بن عبد الله بن عتبة  ، أن أبا الدرداء  ، رضي الله عنه ، لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان ونصب الشجر ، قام في مسجدهم فنادى : يا أهل دمشق ،  فاجتمعوا إليه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا تستحيون ! ألا تستحيون ! تجمعون ما لا تأكلون ، وتبنون ما لا تسكنون ، وتأملون ما لا تدركون ، إنه كانت قبلكم قرون ، يجمعون فيرعون ، ويبنون فيوثقون ، ويأملون فيطيلون ، فأصبح أملهم غرورا ، وأصبح جمعهم بورا ، وأصبحت مساكنهم قبورا ، ألا إن عادا  ملكت ما بين عدن  وعمان  خيلا وركابا ، فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟  . 
وقوله : ( وإذا بطشتم بطشتم جبارين   ) وصفهم بالقوة والغلظة والجبروت . 
( فاتقوا الله وأطيعون   ) أي : اعبدوا ربكم ، وأطيعوا رسولكم . 
ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم فقال : ( واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم   ) أي : إن كذبتم وخالفتم ، فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب ، فما نفع فيهم . 
				
						
						
