( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون    ( 48 ) قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون   ( 49 ) ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون   ( 50 ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين   ( 51 ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون   ( 52 ) وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون   ( 53 ) ) . 
يخبر تعالى عن طغاة ثمود  ورءوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح  ، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة ، وهموا بقتل صالح  أيضا ، بأن يبيتوه في أهله ليلا فيقتلوه غيلة ، ثم يقولوا لأوليائه من أقربيه : إنهم ما علموا بشيء من أمره ، وإنهم لصادقون فيما أخبروهم به ، من أنهم لم يشاهدوا ذلك ، فقال تعالى : ( وكان في المدينة   ) أي : مدينة ثمود  ، ( تسعة رهط   ) أي : تسعة نفر ، ( يفسدون في الأرض ولا يصلحون   ) وإنما غلب هؤلاء على أمر ثمود ; لأنهم كانوا كبراء فيهم ورؤساءهم . 
قال العوفي  ، عن ابن عباس   : هؤلاء هم الذين عقروا الناقة ، أي : الذي صدر ذلك عن آرائهم ومشورتهم - قبحهم الله ولعنهم - وقد فعل ذلك . 
وقال  السدي  ، عن أبي مالك  ، عن ابن عباس   : كان أسماء هؤلاء التسعة : دعمي  ، ودعيم  ،  [ ص: 199 ] وهرما  ، وهريم  ، وداب  ، وصواب  ، ورياب  ، ومسطع  ، وقدار بن سالف  عاقر الناقة ، أي : الذي باشر ذلك بيده . قال الله تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر   ) [ القمر : 29 ] ، وقال تعالى ( إذ انبعث أشقاها   ) [ الشمس : 12 ] . 
وقال عبد الرزاق   : أنبأنا يحيى بن ربيعة الصنعاني  ، سمعت  عطاء - هو ابن أبي رباح -  يقول : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون   ) قال : كانوا يقرضون الدراهم ، يعني : أنهم كانوا يأخذون منها ، وكأنهم كانوا يتعاملون بها عددا ، كما كان العرب يتعاملون . 
وقال الإمام مالك  ، عن يحيى بن سعيد  ، عن  سعيد بن المسيب  أنه قال : قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض . 
وفي الحديث - الذي رواه أبو داود  وغيره - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كسر سكة المسلمين  الجائزة بينهم إلا من بأس  . 
والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة ، كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها ، فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة وغير ذلك . 
وقوله : ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله   ) أي : تحالفوا وتبايعوا على قتل نبي الله صالح  ، عليه السلام ، من لقيه ليلا غيلة . فكادهم الله ، وجعل الدائرة عليهم . 
قال مجاهد   : تقاسموا وتحالفوا على هلاكه ، فلم يصلوا إليه حتى هلكوا وقومهم أجمعين . 
وقال قتادة   : توافقوا على أن يأخذوه ليلا فيقتلوه ، وذكر لنا أنهم بينما هم معانيق إلى صالح ليفتكوا به ، إذ بعث الله عليهم صخرة فأهمدتهم . 
وقال العوفي  ، عن ابن عباس   : هم الذين عقروا الناقة ، قالوا حين عقروها : نبيت صالحا   [ وأهله ] وقومه فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح   : ما شهدنا من هذا شيئا ، وما لنا به من علم . فدمرهم الله أجمعين . 
وقال محمد بن إسحاق   : قال هؤلاء التسعة بعدما عقروا الناقة : هلم فلنقتل صالحا  ، فإن كان صادقا عجلناه قبلنا ، وإن كان كاذبا كنا قد ألحقناه بناقته! فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة ، فلما أبطؤوا على أصحابهم ، أتوا منزل صالح  ، فوجدوهم منشدخين قد رضخوا بالحجارة ، فقالوا لصالح   : أنت قتلتهم ، ثم هموا به ، فقامت عشيرته دونه ، ولبسوا السلاح ، وقالوا لهم : والله لا تقتلونه أبدا ، وقد وعدكم أن العذاب نازل بكم في ثلاث ، فإن كان صادقا فلا تزيدوا ربكم عليكم غضبا ، وإن كان كاذبا فأنتم من وراء ما تريدون . فانصرفوا عنهم ليلتهم تلك  . 
 [ ص: 200 ] 
وقال  عبد الرحمن بن أبي حاتم   : لما عقروا الناقة وقال لهم صالح   : ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب   ) [ هود : 65 ] قالوا : زعم صالح  أنه يفرغ منا إلى ثلاثة أيام ، فنحن نفرغ منه وأهله قبل ثلاث . وكان لصالح  مسجد في الحجر عند شعب هناك يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف ، أي : غار هناك ليلا فقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم . فبعث الله صخرة من الهضب حيالهم ، فخشوا أن تشدخهم فتبادروا فانطبقت عليهم الصخرة وهم في ذلك الغار ، فلا يدري قومهم أين هم ، ولا يدرون ما فعل بقومهم . فعذب الله هؤلاء هاهنا ، وهؤلاء هاهنا ، وأنجى الله صالحا  ومن معه ، ثم قرأ : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية   ) أي : فارغة ليس فيها أحد ( بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون . وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون   ) . 
				
						
						
