[ ص: 220 ] [ بسم الله الرحمن الرحيم . رب يسر بفضلك ] تفسير سورة القصص [ وهي مكية ]
قال
الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن أبيه ، عن
أبي إسحاق ، عن
معد يكرب قال : أتينا
عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم ) المائتين ، فقال : ما هي معي ، ولكن عليكم من أخذها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت . قال : فأتينا
nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت ، فقرأها علينا ، رضي الله عنه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28999_32238تلك آيات الكتاب المبين ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ( 6 ) ) .
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة .
وقوله : ( تلك ) أي : هذه (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2آيات الكتاب المبين ) أي : الواضح الجلي الكاشف عن حقائق الأمور ، وعلم ما قد كان وما هو كائن .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28999_31913_28901نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ) كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نحن نقص عليك أحسن القصص ) [ يوسف : 3 ] أي : نذكر لك الأمر على ما كان عليه ، كأنك تشاهد وكأنك حاضر .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض ) أي : تكبر وتجبر وطغى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وجعل أهلها شيعا ) أي : أصنافا ، قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يستضعف طائفة منهم ) يعني :
بني إسرائيل . وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم . هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس الأعمال ، ويكدهم ليلا ونهارا في أشغاله وأشغال رعيته ، ويقتل مع هذا أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، إهانة لهم واحتقارا ، وخوفا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن يوجد منهم غلام ،
[ ص: 221 ] يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه . وكانت
القبط قد تلقوا هذا من
بني إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول
إبراهيم الخليل ، حين ورد
الديار المصرية ، وجرى له مع جبارها ما جرى ، حين أخذ
سارة ليتخذها جارية ، فصانها الله منه ، ومنعه منها بقدرته وسلطانه . فبشر
إبراهيم عليه السلام ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك ملك
مصر على يديه ، فكانت
القبط تتحدث بهذا عند
فرعون ، فاحترز
فرعون من ذلك ، وأمر بقتل ذكور
بني إسرائيل ، ولن ينفع حذر من قدر ; لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ، ولكل أجل كتاب ; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) . وقد فعل تعالى ذلك بهم ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) [ الأعراف : 137 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 59 ] ، أراد
فرعون بحوله وقوته أن ينجو من
موسى ، فما نفعه ذلك مع قدر الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ، بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون إهلاك
فرعون على يديه ، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده ، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك ، وفي دارك ، وغذاؤه من طعامك ، وأنت تربيه وتدلله وتتفداه ، وحتفك ، وهلاكك وهلاك جنودك على يديه ، لتعلم أن رب السموات العلا هو القادر الغالب العظيم ، العزيز القوي الشديد المحال ، الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .
[ ص: 220 ] [ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . رَبِّ يَسِّرْ بِفَضْلِكَ ] تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَصَصِ [ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ ]
قَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، رَحِمَهُ اللَّهُ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ : أَتَيْنَا
عَبْدَ اللَّهِ فَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم ) الْمِائَتَيْنِ ، فَقَالَ : مَا هِيَ مَعِي ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ مَنْ أَخَذَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=showalam&ids=211خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ . قَالَ : فَأَتَيْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=211خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=1طسم ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28999_32238تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 3 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=6وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ( 6 ) ) .
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ .
وَقَوْلُهُ : ( تِلْكَ ) أَيْ : هَذِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=2آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) أَيْ : الْوَاضِحِ الْجَلِيِّ الْكَاشِفِ عَنْ حَقَائِقِ الْأُمُورِ ، وَعِلْمِ مَا قَدْ كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28999_31913_28901نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=3نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ) [ يُوسُفَ : 3 ] أَيْ : نَذْكُرُ لَكَ الْأَمْرَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، كَأَنَّكَ تُشَاهِدُ وَكَأَنَّكَ حَاضِرٌ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ) أَيْ : تَكَبَّرَ وَتَجَبَّرَ وَطَغَى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ) أَيْ : أَصْنَافًا ، قَدْ صَرَّفَ كُلَّ صِنْفٍ فِيمَا يُرِيدُ مِنْ أُمُورِ دَوْلَتِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ) يَعْنِي :
بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خِيَارَ أَهْلِ زَمَانِهِمْ . هَذَا وَقَدْ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَلِكُ الْجَبَّارُ الْعَنِيدُ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي أَخَسِّ الْأَعْمَالِ ، وَيُكِدُّهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي أَشْغَالِهِ وَأَشْغَالِ رَعِيَّتِهِ ، وَيَقْتُلُ مَعَ هَذَا أَبْنَاءَهُمْ ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ، إِهَانَةً لَهُمْ وَاحْتِقَارًا ، وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمُ الْغُلَامُ الَّذِي كَانَ قَدْ تَخَوَّفَ هُوَ وَأَهْلُ مَمْلَكَتِهِ مِنْ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ غُلَامٌ ،
[ ص: 221 ] يَكُونُ سَبَبُ هَلَاكِهِ وَذَهَابُ دَوْلَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ . وَكَانَتِ
الْقِبْطُ قَدْ تَلَقَّوْا هَذَا مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا كَانُوا يَدْرُسُونَهُ مِنْ قَوْلِ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ، حِينَ وَرَدَ
الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ ، وَجَرَى لَهُ مَعَ جَبَّارِهَا مَا جَرَى ، حِينَ أَخَذَ
سَارَّةَ لِيَتَّخِذَهَا جَارِيَةً ، فَصَانَهَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَمَنَعَهُ مِنْهَا بِقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ . فَبَشَّرَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَدَهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ مِنْ صُلْبِهِ وَذَرِّيَّتِهِ مَنْ يَكُونُ هَلَاكُ مَلِكِ
مِصْرَ عَلَى يَدَيْهِ ، فَكَانَتِ
الْقِبْطُ تَتَحَدَّثُ بِهَذَا عِنْدَ
فِرْعَوْنَ ، فَاحْتَرَزَ
فِرْعَوْنُ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ ذُكُورِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَلَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ; لِأَنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ، وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=5وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) . وَقَدْ فَعَلَ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِمْ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) [ الْأَعْرَافِ : 137 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=59كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) [ الشُّعَرَاءِ : 59 ] ، أَرَادَ
فِرْعَوْنُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ
مُوسَى ، فَمَا نَفَعَهُ ذَلِكَ مَعَ قَدَرِ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُخَالَفُ أَمْرُهُ الْقَدَرِيُّ ، بَلْ نَفَذَ حُكْمُهُ وَجَرَى قَلَمُهُ فِي الْقِدَمِ بِأَنْ يَكُونَ إِهْلَاكُ
فِرْعَوْنَ عَلَى يَدَيْهِ ، بَلْ يَكُونُ هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي احْتَرَزْتَ مِنْ وُجُودِهِ ، وَقَتَلْتَ بِسَبَبِهِ أُلُوفًا مِنَ الْوِلْدَانِ إِنَّمَا مَنْشَؤُهُ وَمُرَبَّاهُ عَلَى فِرَاشِكَ ، وَفِي دَارِكَ ، وَغِذَاؤُهُ مِنْ طَعَامِكَ ، وَأَنْتَ تُرَبِّيهِ وَتُدَلِّلُهُ وَتَتَفَدَّاهُ ، وَحَتْفُكَ ، وَهَلَاكُكَ وَهَلَاكُ جُنُودِكَ عَلَى يَدَيْهِ ، لِتَعْلَمَ أَنَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ الْعُلَا هُوَ الْقَادِرُ الْغَالِبُ الْعَظِيمُ ، الْعَزِيزُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الْمِحَالِ ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .