( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر  وما كنت من الشاهدين   ( 44 ) ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين   ( 45 ) وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون   ( 46 ) ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين   ( 47 ) ) . 
 [ ص: 240 ] يقول تعالى منبها على برهان نبوة محمد  ، صلوات الله وسلامه عليه ، حيث أخبر بالغيوب الماضية ، خبرا كأن سامعه شاهد وراء لما تقدم ، وهو رجل أمي لا يقرأ شيئا من الكتب ، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئا من ذلك ، كما أنه لما أخبره عن مريم  وما كان من أمرها ، قال تعالى : ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون   ) [ آل عمران : 44 ] ، أي : ما كنت حاضرا لذلك ، ولكن الله أوحاه إليك . وهكذا لما أخبره عن نوح  وقومه ، وما كان من إنجاء الله له وإغراق قومه . 
ثم قال تعالى : ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين   ) [ هود : 49 ] وقال في آخر السورة ( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك   ) [ هود : 100 ] ، وقال بعد ذكر قصة يوسف : ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون   ) [ يوسف : 102 ] ، وقال في سورة طه : ( كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا   ) [ طه : 99 ] وقال هاهنا - بعدما أخبر عن قصة موسى  من أولها إلى آخرها ، وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له - : ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر   ) يعني : يا محمد  ، ما كنت بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى  من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي ، ( وما كنت من الشاهدين   ) لذلك ، ولكن الله سبحانه وتعالى أوحى إليك ذلك ، ليجعله حجة وبرهانا على قرون قد تطاول عهدها ، ونسوا حجج الله عليهم ، وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين . 
وقوله : ( وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا   ) أي : وما كنت مقيما في أهل مدين  تتلو عليهم آياتنا ، حين أخبرت عن نبيها شعيب  ، وما قال لقومه ، وما ردوا عليه ، ( ولكنا كنا مرسلين   ) أي : ولكن نحن أوحينا إليك ذلك ، وأرسلناك للناس رسولا . 
( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا   ) - قال  أبو عبد الرحمن النسائي  ، في التفسير من سننه : أخبرنا علي بن حجر  ، أخبرنا عيسى - وهو ابن يونس -  عن حمزة الزيات  ، عن الأعمش  ، عن علي بن مدرك  ، عن أبي زرعة  ، عن  أبي هريرة  ، رضي الله عنه ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا   ) ، قال : نودوا : يا أمة محمد  ، أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وأجبتكم قبل أن تدعوني . 
وهكذا رواه ابن جرير   وابن أبي حاتم  ، من حديث جماعة ، عن  حمزة - وهو ابن حبيب الزيات -  عن الأعمش   . ورواه ابن جرير  من حديث  وكيع  ويحيى بن عيسى  ، عن الأعمش  ، عن علي بن مدرك  ، عن  أبي زرعة - وهو ابن عمرو بن جرير   - أنه قال ذلك من كلامه ، والله أعلم . 
وقال مقاتل بن حيان   : ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا   ) : أمتك في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا  [ ص: 241 ] بك إذا بعثت . 
وقال قتادة   : ( وما كنت بجانب الطور إذ نادينا   ) موسى   . وهذا - والله أعلم - أشبه بقوله تعالى : ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر   ) . 
ثم أخبر هاهنا بصيغة أخرى أخص من ذلك ، وهو النداء ، كما قال تعالى : ( وإذ نادى ربك موسى   ) [ الشعراء : 10 ] ، وقال : ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى   ) [ النازعات : 16 ] ، وقال : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا   ) [ مريم : 52 ] . 
وقوله : ( ولكن رحمة من ربك   ) أي : ما كنت مشاهدا لشيء من ذلك ، ولكن الله أوحاه إليك وأخبرك به ، رحمة منه لك وبالعباد بإرسالك إليهم ، ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون   ) أي : لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله عز وجل . 
( ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين   ) أي : وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة ولتقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم ، فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير ، كما قال تعالى بعد ذكره إنزال كتابه المبارك وهو القرآن : ( أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة   ) [ الأنعام : 156 ، 157 ] ، وقال : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل   ) [ النساء : 165 ] ، وقال تعالى : ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير   ) [ المائدة : 19 ] ، والآيات في هذا كثيرة [ والله أعلم ] . 
				
						
						
