( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون    ( 55 ) هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون   ( 56 ) لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون   ( 57 ) سلام قولا من رب رحيم   ( 58 ) ) 
يخبر تعالى عن أهل الجنة : أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العرصات فنزلوا في روضات الجنات : أنهم ( في شغل [ فاكهون   ) أي : في شغل ] عن غيرهم ، بما هم فيه من النعيم المقيم ، والفوز العظيم . 
قال  الحسن البصري   :  وإسماعيل بن أبي خالد   : ( في شغل   ) عما فيه أهل النار من العذاب . 
وقال مجاهد   : ( في شغل فاكهون   ) أي : في نعيم معجبون ، أي : به . وكذا قال قتادة   . 
وقال ابن عباس   : ( فاكهون   ) أي فرحون . 
قال  عبد الله بن مسعود  ،  وابن عباس  ،  وسعيد بن المسيب  ، وعكرمة ،  والحسن ،  وقتادة ،   والأعمش ،   وسليمان التيمي  ،  والأوزاعي  في قوله : ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون   ) قالوا : شغلهم افتضاض الأبكار . 
 [ ص: 583 ] وقال ابن عباس   - في رواية عنه - : ( في شغل فاكهون   ) أي بسماع الأوتار . 
وقال أبو حاتم   : لعله غلط من المستمع ، وإنما هو افتضاض الأبكار . 
وقوله : ( هم وأزواجهم   ) قال مجاهد   : وحلائلهم ( في ظلال   ) أي : في ظلال الأشجار ( على الأرائك متكئون   ) . 
قال ابن عباس  ، ومجاهد  وعكرمة ،   ومحمد بن كعب  ، والحسن ،  وقتادة ،   والسدي ،  وخصيف : ( الأرائك ) هي السرر تحت الحجال . 
قلت : نظيره في الدنيا هذه التخوت تحت البشاخين ، والله أعلم . 
وقوله : ( لهم فيها فاكهة   ) أي : من جميع أنواعها ، ( ولهم ما يدعون   ) أي : مهما طلبوا وجدوا من جميع أصناف الملاذ . 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا محمد بن عوف الحمصي  ، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار  ، حدثنا محمد بن مهاجر  ، عن الضحاك المعافري  ، عن  سليمان بن موسى  ، حدثني كريب ;  أنه سمع أسامة بن زيد  يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " ألا هل مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها هي - ورب الكعبة - نور كلها يتلألأ وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد ، في دار سلامة ، وفاكهة خضرة وحبرة ونعمة ، ومحلة عالية بهية " . قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمرون لها . قال : " قولوا : إن شاء الله " . قال القوم : إن شاء الله  . 
وكذا رواه ابن ماجه  في " كتاب الزهد " من سننه ، من حديث  الوليد بن مسلم  ، عن محمد بن مهاجر  ، به . 
وقوله : ( سلام قولا من رب رحيم   ) قال ابن جريج : قال ابن عباس في قوله : ( سلام قولا من رب رحيم   ) فإن الله نفسه سلام على أهل الجنة . 
وهذا الذي قاله ابن عباس  كقوله تعالى : ( تحيتهم يوم يلقونه سلام   ) [ الأحزاب : 44 ] 
وقد روى ابن أبي حاتم  هاهنا حديثا ، وفي إسناده نظر ، فإنه قال : حدثنا موسى بن يوسف  ، حدثنا  محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب  ، حدثنا أبو عاصم العباداني  ، حدثنا الفضل الرقاشي  ، عن محمد بن المنكدر  ، عن  جابر بن عبد الله  ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " بينا أهل الجنة في نعيمهم ، إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم ، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة . فذلك قوله : ( سلام قولا من رب رحيم   ) . قال : " فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه ، حتى يحتجب عنهم ، ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم "  . 
 [ ص: 584 ] ورواه ابن ماجه  في " كتاب السنة " من سننه ، عن  محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب  ، به . 
وقال ابن جرير   : حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  ، أخبرنا ابن وهب  ، حدثنا حرملة ،  عن سليمان بن حميد  قال : سمعت  محمد بن كعب القرظي  يحدث عن عمر بن عبد العزيز  قال : إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار ، أقبل في ظلل من الغمام والملائكة ، قال : فيسلم على أهل الجنة ، فيردون عليه السلام - قال القرظي : وهذا في كتاب الله ( سلام قولا من رب رحيم   ) - فيقول : سلوني . فيقولون : ماذا نسألك أي رب ؟ قال : بلى سلوني . قالوا : نسألك - أي رب - رضاك . قال : رضائي أحلكم دار كرامتي . قالوا : يا رب ، فما الذي نسألك ، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك ، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم ، لا ينقصنا ذلك شيئا . قال : إن لدي مزيدا . قال فيفعل ذلك بهم في درجهم ، حتى يستوي في مجلسه . قال : ثم تأتيهم التحف من الله ، عز وجل ، تحملها إليهم الملائكة . ثم ذكر نحوه . 
وهذا أثر غريب ، أورده ابن جرير  من طرق . 
				
						
						
