( هذه جهنم التي كنتم توعدون ( 63 ) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ( 64 ) اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ( 65 ) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ( 66 ) ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ( 67 ) )
يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة ، وقد برزت الجحيم لهم تقريعا وتوبيخا : ( هذه جهنم التي كنتم توعدون ) أي : هذه التي حذرتكم الرسل فكذبتموهم ، ( اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ) ، كما قال تعالى : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ) [ الطور : 13 - 15 ] .
وقوله تعالى : ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) : هذا ، حين ينكرون ما اجترموه في الدنيا ، ويحلفون ما فعلوه ، فيختم الله على أفواههم ، ويستنطق جوارحهم بما عملت . حال الكفار والمنافقين يوم القيامة
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة ، حدثنا منجاب بن الحارث التميمي ، حدثنا أبو عامر الأسدي ، حدثنا سفيان ، عن عبيد المكتب ، عن الفضيل بن عمرو ، عن الشعبي ، أنس بن مالك قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فضحك حتى بدت نواجذه ، ثم قال : " أتدرون مم أضحك ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، يقول : رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى . فيقول : لا أجيز علي إلا شاهدا من نفسي . [ ص: 586 ] فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، وبالكرام الكاتبين شهودا . فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي . فتنطق بعمله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام ، فيقول : بعدا لكن وسحقا ، فعنكن كنت أناضل " . عن
وقد رواه مسلم كلاهما عن والنسائي ، أبي بكر بن أبي النضر ، عن أبي النضر ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي ، عن به . ثم قال سفيان - هو الثوري - : [ لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن النسائي سفيان غير الأشجعي ، وهو حديث غريب ، والله تعالى أعلم .
كذا قال ، وقد تقدم من رواية أبي عامر عبد الملك بن عمرو الأسدي - وهو العقدي - عن سفيان .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . رواه " إنكم تدعون مفدمة أفواهكم بالفدام ، فأول ما يسأل عن أحدكم فخذه وكتفه " ] عن النسائي محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، به .
وقال سفيان بن عيينة ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن رضي الله عنه ، أبي هريرة ، . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث القيامة الطويل ، قال فيه : " ثم يلقى الثالث فيقول : ما أنت ؟ فيقول : أنا عبدك ، آمنت بك وبنبيك وبكتابك ، وصمت وصليت وتصدقت - ويثني بخير ما استطاع - قال : فيقال له : ألا نبعث عليك شاهدنا ؟ قال : فيفكر في نفسه ، من الذي يشهد عليه ، فيختم على فيه ، ويقال لفخذه : انطقي . فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل ، وذلك المنافق ، وذلك ليعذر من نفسه . وذلك الذي سخط الله عليه "
ورواه مسلم وأبو داود ، من حديث سفيان بن عيينة ، به بطوله .
ثم قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد ، عن عقبة بن عامر ; أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : . . " إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه ، فخذه من الرجل اليسرى "
ورواه ابن جرير عن محمد بن عوف ، عن ، عن عبد الله بن المبارك إسماعيل بن عياش ، به مثله .
وقد جود إسناده ، رحمه الله ، فقال : حدثنا الإمام أحمد ، حدثنا الحكم بن نافع إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد الحضرمي ، عمن حدثه عن عقبة بن عامر ; أنه [ ص: 587 ] سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " . إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه ، فخذه من الرجل الشمال "
وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ، حدثنا ابن علية يونس بن عبيد ، عن حميد بن هلال قال : قال أبو بردة : قال ، رضي الله عنه - : يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة ، فيعرض عليه ربه عمله فيما بينه وبينه ، فيعترف فيقول : نعم أي رب ، عملت عملت عملت . قال : فيغفر الله له ذنوبه ، ويستره منها . قال : فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب شيئا ، وتبدو حسناته ، فود أن الناس كلهم يرونها ، ويدعى الكافر والمنافق للحساب ، فيعرض ربه عليه عمله ، فيجحد فيقول : أي رب ، وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل . فيقول له الملك : أما عملت كذا ، في يوم كذا ، في مكان كذا ؟ فيقول : لا وعزتك أي رب ما عملته . فإذا فعل ذلك ختم على فيه . قال أبو موسى هو الأشعري : فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى ، ثم تلا ( أبو موسى الأشعري اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) .
وقوله : ( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ) : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في تفسيرها : يقول : ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى ، فكيف يهتدون ؟ وقال مرة : أعميناهم .
وقال : لو شاء الله لطمس على أعينهم ، فجعلهم عميا يترددون . الحسن البصري
وقال : لو شئنا أعمينا أبصارهم . السدي
وقال مجاهد ، ، وأبو صالح وقتادة ، : ( والسدي فاستبقوا الصراط ) يعني الطريق .
وقال ابن زيد : يعني بالصراط هاهنا الحق ، ( فأنى يبصرون ) وقد طمسنا على أعينهم ؟
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( فأنى يبصرون ) ] يقول ] : لا يبصرون الحق .
وقوله : ( ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ) قال العوفي عن ابن عباس : أهلكناهم .
وقال : يعني : لغيرنا خلقهم . السدي
وقال أبو صالح : لجعلناهم حجارة .
وقال ، الحسن البصري وقتادة : لأقعدهم على أرجلهم .
ولهذا قال تعالى : ( فما استطاعوا مضيا ) أي : إلى أمام ، ( ولا يرجعون ) أي : إلى وراء ، بل يلزمون حالا واحدا ، لا يتقدمون ولا يتأخرون .