( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون    ( 67 ) ) . 
يقول تعالى : وما قدر المشركون الله حق قدره ، حين عبدوا معه غيره ، وهو العظيم الذي لا أعظم منه ، القادر على كل شيء ، المالك لكل شيء ، وكل شيء تحت قهره وقدرته . 
قال مجاهد   : نزلت في قريش . وقال  السدي   : ما عظموه حق عظمته . 
وقال محمد بن كعب   : لو قدروه حق قدره ما كذبوه . 
وقال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس   [ رضي الله عنهما ] :  ( وما قدروا الله حق قدره   ) هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله [ تعالى ] عليهم ، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير ، فقد قدر الله حق قدره ، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره  . 
وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة ، والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف   . 
قال  البخاري   : قوله : ( وما قدروا الله حق قدره   ) حدثنا آدم  ، حدثنا شيبان  ، عن منصور  ، عن إبراهيم  ، عن عبيدة  ، عن  عبد الله بن مسعود  قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا محمد   : إنا نجد أن الله - عز وجل - يجعل السماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع . فيقول : أنا الملك . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه ، تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة   ) الآية  . 
و [ قد ] رواه  البخاري  أيضا في غير هذا الموضع من صحيحه  ، والإمام أحمد  ، ومسلم  ،  والترمذي   والنسائي  في التفسير من سننيهما ، كلهم من حديث سليمان بن مهران الأعمش  ، عن إبراهيم  عن عبيدة  ، عن  [ عبد الله ] ابن مسعود   - رضي الله عنه - بنحوه . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا أبو معاوية  ، حدثنا الأعمش  ، عن إبراهيم  عن علقمة  ، عن عبد الله   - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتاب ، فقال : يا أبا القاسم ، أبلغك أن الله [ تعالى ] يحمل الخلائق على إصبع ، والسماوات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على  [ ص: 114 ] إصبع ، والثرى على إصبع ؟ قال : فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه . قال : وأنزل الله - عز وجل - : ( وما قدروا الله حق قدره   ) إلى آخر الآية  . 
وهكذا رواه  البخاري  ، ومسلم  ،  والنسائي   - من طرق - عن الأعمش  به . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا حسين بن حسن الأشقر  ، حدثنا أبو كدينة  ، عن عطاء  عن أبي الضحى  ، عن ابن عباس  قال : مر يهودي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس فقال : كيف تقول يا أبا القاسم : يوم يجعل الله السماء على ذه - وأشار بالسبابة - والأرض على ذه ، والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه - كل ذلك يشير بإصبعه - قال : فأنزل الله - عز وجل - : ( وما قدروا الله حق قدره   ) الآية  . 
وكذا رواه الترمذي  في التفسير عن  عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي  ، عن محمد بن الصلت  ، عن أبي جعفر  ، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب  ، عن عطاء بن السائب  ، عن  أبي الضحى مسلم بن صبيح  ، به ، وقال : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه . 
ثم قال  البخاري   : حدثنا سعيد بن عفير  ، حدثنا الليث  ، حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن مسافر  ، عن ابن شهاب  ، عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن   : أن  أبا هريرة   - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يقبض الله الأرض ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض  " . 
تفرد به من هذا الوجه ، ورواه مسلم  من وجه آخر . 
وقال  البخاري   - في موضع آخر - : حدثنا مقدم بن محمد  ، حدثنا عمي القاسم بن يحيى  ، عن عبيد الله  ، عن نافع  ، عن ابن عمر  ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين على إصبع ، وتكون السماوات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك  " . 
تفرد به أيضا من هذا الوجه ، ورواه مسلم  من وجه آخر . وقد رواه  الإمام أحمد  من طريق أخرى بلفظ آخر أبسط من هذا السياق وأطول ، فقال : 
حدثنا عفان  ، حدثنا حماد بن سلمة  ، أخبرنا  إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة  ، عن عبيد الله بن مقسم  ، عن ابن عمر  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون   ) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هكذا بيده ، يحركها يقبل بها ويدبر : " يمجد الرب نفسه : أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا  [ ص: 115 ] الملك ، أنا العزيز ، أنا الكريم " . فرجف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر حتى قلنا : ليخرن به  . 
وقد رواه مسلم  ،  والنسائي  ،  وابن ماجه  من حديث عبد العزيز بن أبي حازم   - زاد مسلم   : ويعقوب بن عبد الرحمن  ، كلاهما عن أبي حازم  ، عن عبيد الله بن مقسم  ، عن ابن عمر  ، به ، نحوه . 
ولفظ مسلم   - عن عبيد الله بن مقسم  في هذا الحديث - : أنه نظر إلى عبد الله بن عمر  كيف يحكي النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يأخذ الله سماواته وأرضيه بيده ويقول : أنا الملك ، ويقبض أصابعه ويبسطها : أنا الملك ، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟  . 
وقال البزار : حدثنا سليمان بن سيف  ، حدثنا أبو علي الحنفي  ، حدثنا عباد المنقري  ، حدثني محمد بن المنكدر  قال : حدثنا عبد الله بن عمر   [ رضي الله عنهما ] ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية على المنبر : ( وما قدروا الله حق قدره   ) حتى بلغ : ( سبحانه وتعالى عما يشركون   ) ، فقال المنبر هكذا ، فجاء وذهب ثلاث مرات  . 
ورواه  الإمام الحافظ أبو القاسم الطبراني  من حديث  عبيد بن عمير  ، عن عبد الله بن عمرو  ، وقال : صحيح . 
وقال  الطبراني  في المعجم الكبير : حدثنا عبد الرحمن بن معاوية العتبي  ، حدثنا حيان بن نافع بن صخر بن جويرية  ، حدثنا  سعيد بن سالم القداح  ، عن معمر بن الحسن  ، عن بكر بن خنيس  ، عن أبي شيبة  ، عن  عبد الملك بن عمير  ، عن جرير  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفر من أصحابه : " إني قارئ عليكم آيات من آخر سورة الزمر ، فمن بكى منكم وجبت له الجنة " ؟ فقرأها من عند قوله : ( وما قدروا الله حق قدره   ) ، إلى آخر السورة ، فمنا من بكى ، ومنا من لم يبك ، فقال الذين لم يبكوا : يا رسول الله لقد جهدنا أن نبكي فلم نبك ؟ فقال : " إني سأقرؤها عليكم فمن لم يبك فليتباك  " . هذا حديث غريب جدا . 
وأغرب منه ما رواه في المعجم الكبير أيضا : حدثنا هاشم بن مرثد  ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش  ، حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة  ، عن شريح بن عبيد  ، عن أبي مالك  [ ص: 116 ] الأشعري  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله تعالى يقول : ثلاث خلال غيبتهن عن عبادي ، لو رآهن رجل ما عمل سوءا أبدا : لو كشفت غطائي فرآني حتى يستيقن ويعلم كيف أفعل بخلقي إذا أتيتهم ، وقبضت السماوات بيدي ، ثم قبضت الأرض والأرضين ، ثم قلت : أنا الملك ، من ذا الذي له الملك دوني ؟ ثم أريتهم الجنة وما أعددت لهم فيها من كل خير ، فيستيقنوها . وأريهم النار وما أعددت لهم فيها من كل شر فيستيقنوها ، ولكن عمدا غيبت ذلك عنهم لأعلم كيف يعملون ، وقد بينته لهم  " . 
وهذا إسناد متقارب ، وهي نسخة تروى بها أحاديث جمة ، والله أعلم . 
				
						
						
