( وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب    ( 30 ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد   ( 31 ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد   ( 32 ) يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد   ( 33 ) ) 
( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب   ( 34 ) الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار   ( 35 ) ) 
هذا إخبار من الله - عز وجل - عن هذا الرجل الصالح ، مؤمن آل فرعون   : أنه حذر قومه بأس الله في الدنيا والآخرة فقال : ( يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب   ) أي : الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر ، كقوم نوح  وعاد  وثمود ،  والذين من بعدهم من الأمم المكذبة ، كيف حل بهم بأس الله ، وما رده عنهم راد ، ولا صده عنهم صاد . 
 [ ص: 143 ] 
( وما الله يريد ظلما للعباد   ) أي : إنما أهلكهم الله بذنوبهم ، وتكذيبهم رسله ، ومخالفتهم أمره . فأنفذ فيهم قدره ، ثم قال : ( ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد   ) يعني : يوم القيامة ، وسمي بذلك قال بعضهم : لما جاء في حديث الصور : إن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر ، وماجت وارتجت ، فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضا . 
وقال آخرون منهم الضحاك   : بل ذلك إذا جيء بجهنم ، ذهب الناس هرابا ، فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر ، وهو قوله تعالى : ( والملك على أرجائها   ) [ الحاقة : 17 ] ، وقوله ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان   ) [ الرحمن : 33 ] . 
وقد روي عن ابن عباس  ، والحسن  ، والضحاك   : أنهم قرؤوا : " يوم التناد " بتشديد الدال من ند البعير : إذا شرد وذهب . 
وقيل : لأن الميزان عنده ملك ، وإذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته : ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا . وإن خف عمله نادى : ألا قد شقي فلان بن فلان . 
وقال قتادة   : ينادى كل قوم بأعمالهم : ينادى أهل الجنة : أهل الجنة ، وأهل النار : أهل النار . 
وقيل : سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار : ( أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم   ) [ الأعراف : 44 ] . ومناداة أهل النار أهل الجنة : ( أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين   ) [ الأعراف : 50 ] ، ولمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار ، كما هو مذكور في سورة الأعراف . 
واختار البغوي  وغيره : أنه سمي بذلك لمجموع ذلك . وهو قول حسن جيد ، والله أعلم . 
وقوله : ( يوم تولون مدبرين   ) أي : ذاهبين هاربين ، ( كلا لا وزر . إلى ربك يومئذ المستقر   ) [ القيامة : 11 ، 12 ] ولهذا قال : ( ما لكم من الله من عاصم   ) أي : ما لكم مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه ، ( ومن يضلل الله فما له من هاد   ) أي : من أضله [ الله ] فلا هادي له غيره . 
وقوله : ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات   ) يعني : أهل مصر  ، قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى ،  وهو يوسف   - عليه السلام - كان عزيز أهل مصر  ، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته القبط ،  فما أطاعوه تلك الساعة إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ; ولهذا قال : ( فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا   ) أي : يئستم فقلتم طامعين : ( لن يبعث الله من بعده رسولا   ) وذلك لكفرهم وتكذيبهم ( كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب   ) أي : كحالكم هذا . 
 [ ص: 144 ] 
ثم قال : ( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم   ) أي : الذين يدفعون الحق بالباطل ، ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله ، فإن الله يمقت على ذلك أشد المقت ; ولهذا قال تعالى : ( كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا   ) أي : والمؤمنون أيضا يبغضون من تكون هذه صفته ، فإن من كانت هذه صفته ، يطبع الله على قلبه ، فلا يعرف بعد ذلك معروفا ، ولا ينكر منكرا ; ولهذا قال : ( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر   ) أي : على اتباع الحق ) جبار ) . 
وروى ابن أبي حاتم  عن عكرمة   - وحكي عن الشعبي   - أنهما قالا : لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين . 
وقال أبو عمران الجوني  وقتادة   : آية الجبابرة القتل بغير حق . 
				
						
						
