هذا من فضله ، تبارك وتعالى ، وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه ، وتكفل لهم بالإجابة ، كما كان يقول : يا من أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله ، ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله ، وليس كذلك غيرك يا رب . سفيان الثوري
رواه ابن أبي حاتم .
وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
وقال قتادة : : قال كعب الأحبار : أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطهن أمة قبلهم إلا نبي : كان إذا أرسل الله نبيا قيل له : " أنت شاهد على أمتك " ، وجعلتكم شهداء على الناس . وكان يقال له : " ليس عليك في الدين من حرج " . وقال لهذه الأمة : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ الحج : 78 ] . وكان يقال له : " ادعني أستجب لك " وقال لهذه الأمة : ( ادعوني أستجب لكم ) رواه ابن أبي حاتم .
وقال في مسنده : حدثنا الإمام الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي أبو إبراهيم الترجماني ، حدثنا صالح المري قال : سمعت الحسن يحدث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - - فيما يروي عن ربه عز وجل - قال : " " . أربع خصال ، واحدة منهن لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين عبادي : فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا ، وأما التي لك علي فما عملت من خير جزيتك به ، وأما التي بيني وبينك : فمنك الدعاء وعلي الإجابة ، وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ما ترضى لنفسك
وقال : حدثنا الإمام أحمد أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن ذر ، عن يسيع الكندي ، عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " ثم قرأ : ( الدعاء هو العبادة ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) . إن
[ ص: 154 ]
وهكذا رواه أصحاب السنن : الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن أبي حاتم ، كلهم من حديث ، وابن جرير الأعمش ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .
ورواه أبو داود ، ، والترمذي ، والنسائي أيضا ، من حديث وابن جرير شعبة ، عن منصور ، عن ذر ، به . وأخرجه الترمذي أيضا من حديث الثوري ، عن منصور ، كلاهما عن والأعمش ذر ، به .
ورواه ابن حبان في صحيحيهما ، وقال والحاكم : صحيح الإسناد . الحاكم
وقال : حدثنا الإمام أحمد ، حدثني وكيع أبو مليح المدني - شيخ من أهل المدينة - سمعه عن أبي صالح ، وقال مرة : سمعت أبا صالح يحدث عن [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي هريرة من لم يدع الله ، عز وجل ، غضب عليه " .
تفرد به أحمد ، وهذا إسناد لا بأس به .
وقال أيضا : حدثنا الإمام أحمد مروان الفزاري ، حدثنا صبيح أبو المليح : سمعت أبا صالح يحدث عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي هريرة " . من لا يسأله يغضب عليه
قال ابن معين : أبو المليح هذا اسمه : صبيح . كذا قيده بالضم عبد الغني بن سعيد . وأما أبو صالح هذا فهو الخوزي ، سكن شعب الخوز . قاله البزار في مسنده . وكذا وقع في روايته أبو المليح الفارسي ، عن أبي صالح الخوزي ، عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي هريرة " . من لا يسأل الله يغضب عليه
وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي : حدثنا همام ، حدثنا إبراهيم بن الحسن ، حدثنا نائل بن نجيح ، حدثني عائذ بن حبيب ، عن محمد بن سعيد قال : لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري ، وجدنا في ذؤابة سيفه كتابا : " بسم الله الرحمن الرحيم ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " . إن لربكم في بقية دهركم نفحات ، فتعرضوا له ، لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد بها صاحبها سعادة لا يخسر بعدها أبدا
[ ص: 155 ]
وقوله : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ) أي : عن دعائي وتوحيدي ، ( سيدخلون جهنم داخرين ) أي : صاغرين حقيرين ، كما قال : الإمام أحمد
حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ، حدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر ، في صور الناس ، يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم - يقال له : بولس - تعلوهم نار الأنيار ، يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خنيس : سمعت أبي يحدث عن وهيب بن الورد : حدثني رجل قال : كنت أسير ذات يوم في أرض الروم ، فسمعت هاتفا من فوق رأس جبل وهو يقول : يا رب ، عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحدا غيرك ! يا رب ، عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك - قال : ثم ذهبت ، ثم جاءت الطامة الكبرى - قال : ثم عاد الثانية فقال : يا رب ، عجبت لمن عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك يرضي غيرك . قال وهيب : وهذه الطامة الكبرى . قال : فناديته : أجني أنت أم إنسي ؟ قال : بل إنسي ، اشغل نفسك بما يعنيك عما لا يعنيك .