استذكار القرآن وتعاهده  
حدثنا عبد الله بن يوسف ،  أخبرنا مالك ،  عن نافع  عن ابن عمر ؛  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة ، إن عاهد عليها أمسكها ، وإن أطلقها ذهبت هكذا رواه مسلم   والنسائي  من حديث مالك   [ به ] . وقال الإمام أحمد  حدثنا عبد الرزاق ،  حدثنا معمر ،  عن أيوب ،  عن نافع ،  عن ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل القرآن إذا عاهد عليه صاحبه فقرأه بالليل والنهار ، كمثل رجل له إبل ، فإن عقلها حفظها ، وإن أطلق عقالها ذهبت ، فكذلك صاحب القرآن  . أخرجاه ، قاله  ابن الجوزي  في جامع المسانيد ، وإنما هو من أفراد مسلم  من حديث عبد الرزاق  به وحدثنا محمد بن عرعرة ،  حدثنا شعبة ،  عن منصور ،  عن أبي وائل ،   [ ص: 71 ] عن عبد الله  قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : بئس ما لأحدهم أن يقول : نسيت آية كيت وكيت ، بل نسي ، واستذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم  . 
تابعه بشر   . هو ابن محمد السختياني ،  عن ابن المبارك ،  عن شعبة   . 
وقد رواه الترمذي  عن محمود بن غيلان ،  عن  أبي داود الطيالسي ،  عن شعبة  به وقال : حسن صحيح . وأخرجه  النسائي  من رواية شعبة   . 
وحدثنا عثمان ،  حدثنا جرير ،  عن منصور  مثله . وتابعه  ابن جريج  عن عبدة ،  عن شقيق   : سمعت عبد الله  قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا أسنده مسلم  من حديث  ابن جريج  به ورواه  النسائي  في اليوم والليلة من حديث  محمد بن جحادة ،  عن  عبدة وهو ابن أبي لبابة  به . وهكذا رواه مسلم  عن عثمان   وزهير بن حرب  وإسحاق بن إبراهيم  عن جرير  به ، وستأتي رواية  البخاري  له عن أبي نعيم ،  عن  سفيان الثوري ،  عن منصور  به ،  والنسائي  من رواية ابن عيينة  عن منصور  به ، فقد رواه هؤلاء عن منصور  به مرفوعا في رواية هؤلاء كلهم وقد رواه  النسائي  عن قتيبة ،  عن حماد بن زيد ،  عن منصور ،  عن أبي وائل ،  عن عبد الله  موقوفا وهذا غريب وفي مسند أبي يعلى  فإنما هو نسي بالتخفيف . 
حدثنا محمد بن العلاء ،  حدثنا أبو أسامة ،  عن بريد ،  عن أبي بردة ،  عن أبي موسى ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفسي بيده ، لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها  . وهكذا رواه مسلم  عن  أبي كريب محمد بن العلاء  وعبد الله بن براد الأشعري ،  كلاهما عن  أبي أسامة حماد بن أسامة  به . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا علي بن إسحاق ،  حدثنا  عبد الله بن المبارك ،  حدثنا موسى بن علي   :  [ ص: 72 ] سمعت أبي يقول : سمعت عقبة بن عامر  يقول : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] تعلموا كتاب الله ، وتعاهدوه وتغنوا به ، فوالذي نفسي بيده ، لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل  . 
ومضمون هذه الأحاديث الترغيب في كثرة تلاوة القرآن واستذكاره وتعاهده ؛  لئلا يعرضه حافظه للنسيان فإن ذلك خطر كبير ، نسأل الله العافية منه ، فإنه قال الإمام أحمد   : 
حدثنا خلف بن الوليد ،  حدثنا خالد ،  عن  يزيد بن أبي زياد ،  عن عيسى بن فائد ،  عن رجل ، عن سعد بن عبادة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه عن ذلك الغل إلا العدل ، وما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم القيامة يلقاه وهو أجذم  . 
هكذا رواه جرير بن عبد الحميد ،   ومحمد بن فضيل ،  عن  يزيد بن أبي زياد ،  كما رواه  خالد بن عبد الله   . وقد أخرجه أبو داود  عن محمد بن العلاء  عن ابن إدريس ،  عن  يزيد بن أبي زياد ،  عن عيسى بن فائد ،  عن سعد بن عبادة  عن النبي صلى الله عليه وسلم بقصة نسيان القرآن ، ولم يذكر الرجل المبهم . 
وكذا رواه أبو بكر بن عياش ،  عن  يزيد بن أبي زياد ،  وقد رواه شعبة  عن يزيد  فوهم في إسناده ، ورواه  وكيع  عن أصحابه ، عن يزيد ،  عن عيسى بن فائد ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . وقد رواه الإمام أحمد  في مسنده عن عبادة بن الصامت  فقال : 
حدثنا عبد الصمد ،  حدثنا عبد العزيز بن مسلم ،  حدثنا  يزيد بن أبي زياد ،  عن عيسى بن فائد ،  عن عبادة بن الصامت  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه منها إلا عدله ، وما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه  إلا لقي الله يوم القيامة أجذم  . 
وكذا رواه أبو عوانة ،  عن  يزيد بن أبي زياد ،  ففيه اختلاف ، لكن هذا في باب الترهيب مقبول - والله أعلم - لا سيما إذا كان له شاهد من وجه آخر ، كما قال أبو عبيد   . 
حدثنا حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : حدثت عن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة والبعرة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أكبر من آية أو سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها  . قال  ابن جريج   : وحدثت عن سلمان الفارسي  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أكبر ذنب توافي به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله أوتيها رجل فنسيها  .  [ ص: 73 ] 
وقد روى أبو داود   والترمذي  وأبو يعلى   والبزار  وغيرهم من حديث ابن أبي رواد ،  عن  ابن جريج ،  عن  المطلب بن عبد الله بن حنطب ،  عن أنس بن مالك  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ، وعرضت علي ذنوب أمتي ، فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها  . 
قال الترمذي   : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وذاكرت به  البخاري  فاستغربه ، وحكى  البخاري  عن  عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي  أنه أنكر سماع المطلب من أنس بن مالك   . 
قلت : وقد رواه محمد بن يزيد الآدمي  عن ابن أبي رواد ،  عن  ابن جريج  عن الزهري ،  عن أنس بن مالك ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم به . والله أعلم . 
وقد أدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى   ) [ طه : 124 - 126 ] ، وهذا الذي قاله هذا - وإن لم يكن هو المراد جميعه - فهو بعضه ، فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير وتفريط شديد ، نعوذ بالله منه ؛ ولهذا قال عليه السلام :تعاهدوا القرآن ، وفي لفظ : استذكروا القرآن ، فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم  . 
التفصي : التخلص يقال : تفصى فلان من البلية : إذا تخلص منها ، ومنه : تفصى النوى من التمرة : إذا تخلص منها ، أي : إن القرآن أشد تفلتا من الصدور من النعم إذا أرسلت من غير عقال . 
وقال أبو عبيد   : حدثنا أبو معاوية ،  عن الأعمش ،  عن إبراهيم  قال : قال عبد الله   - يعني ابن مسعود   - : إني لأمقت القارئ أن أراه سمينا نسيا للقرآن  . 
حدثنا  عبد الله بن المبارك ،  عن عبد العزيز بن أبي رواد  قال : سمعت الضحاك بن مزاحم  يقول : ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم   ) [ الشورى : 30 ] ، وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب  . 
ولهذا قال إسحاق بن راهويه  وغيره : يكره لرجل أن يمر عليه أربعون يوما لا يقرأ فيها القرآن ، كما أنه يكره له أن يقرأ في أقل من ثلاثة أيام ، كما سيأتي هذا ، حيث يذكره  البخاري  بعد هذا ، وكان الأليق أن يتبعه هذا الباب ، ولكن ذكر بعد هذا قوله : 
				
						
						
