[ ص: 392 ] تفسير سورة ق وهي مكية . 
وهذه السورة هي أول الحزب المفصل  على الصحيح ، وقيل : من الحجرات . وأما ما يقوله العامة : إنه من ( عم ) فلا أصل له ، ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين فيما نعلم . والدليل على أن هذه السورة هي أول المفصل ما رواه أبو داود  في سننه ، باب " تحزيب القرآن " ثم قال : 
حدثنا مسدد  ، حدثنا قران بن تمام  ، ( ح ) وحدثنا  عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج  ، حدثنا  أبو خالد سليمان بن حبان   - وهذا لفظه - عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى  ، عن عثمان بن عبد الله بن أوس  ، عن جده - قال عبد الله بن سعيد   : حدثنيه أوس بن حذيفة   - ثم اتفقا . قال : قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف ،  قال : فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة  ، وأنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك  في قبة له - قال مسدد   : وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثقيف ،  قال : كان رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا - قال أبو سعيد   : قائما على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام - فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه قريش ،  ثم يقول : لا سواء وكنا مستضعفين مستذلين - قال مسدد   : بمكة   - فلما خرجنا إلى المدينة  كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ، ندال عليهم ويدالون علينا . فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ، فقلنا : لقد أبطأت عنا الليلة ! قال : " إنه طرأ علي حزبي من القرآن ، فكرهت أن أجيء حتى أتمه " . قال أوس   : سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف تحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل وحده  . 
ورواه ابن ماجه  عن أبي بكر بن أبي شيبة  ، عن  أبي خالد الأحمر  ، به . ورواه  الإمام أحمد  عن عبد الرحمن بن مهدي  ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، هو ابن يعلى الطائفي  به . 
إذا علم هذا ، فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة ، فالتي بعدهن سورة " ق " . بيانه : ثلاث : البقرة ، وآل عمران ، والنساء . وخمس : المائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، وبراءة . وسبع : يونس ، وهود ، ويوسف ، والرعد ، وإبراهيم ، والحجر ، والنحل . وتسع : سبحان ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، والحج ، والمؤمنون ، والنور ، والفرقان . وإحدى عشرة : الشعراء ، والنمل ، والقصص ، والعنكبوت ، والروم ، ولقمان ، و " الم " السجدة ، والأحزاب ، وسبأ ، وفاطر ، و يس . وثلاث عشرة : الصافات ، و " ص " ، والزمر ، وغافر ، و " حم " السجدة ، و " حم عسق " ، والزخرف ، والدخان ، والجاثية ،  [ ص: 393 ] والأحقاف ، والقتال ، والفتح ، والحجرات . ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما قاله الصحابة رضي الله عنهم . فتعين أن أوله سورة " ق " وهو الذي قلناه ، ولله الحمد والمنة . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي  ، حدثنا مالك  ، عن ضمرة بن سعيد  ، عن عبيد الله بن عبد الله ;  أن  عمر بن الخطاب  سأل  أبا واقد الليثي   : ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيد ؟ قال : بقاف ، واقتربت  . 
ورواه مسلم  وأهل السنن الأربعة ، من حديث مالك  ، به . وفي رواية لمسلم  عن فليح  عن ضمرة  ، عن عبيد الله  ، عن أبي واقد  قال : سألني عمر  ، فذكره . 
حديث آخر : وقال أحمد   : حدثنا يعقوب  ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق  ، حدثني عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم  ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة  ، عن أم هشام بنت حارثة  قالت : لقد كان تنورنا وتنور النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدا سنتين ، أو سنة وبعض سنة ، وما أخذت ( ق والقرآن المجيد   ) إلا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس  . 
رواه مسلم   [ أيضا ] من حديث ابن إسحاق  ، به . 
وقال أبو داود   : حدثنا  محمد بن بشار  ، حدثنا محمد بن جعفر  ، حدثنا شعبة  ، عن خبيب  ، عن عبد الله بن محمد بن معن  ، عن ابنة الحارث بن النعمان  قالت : ما حفظت " ق " إلا من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بها كل جمعة . قالت : وكان تنورنا وتنور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدا  . 
وكذا رواه مسلم   والنسائي   وابن ماجه  ، من حديث شعبة  ، به . 
والقصد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار ، كالعيد والجمع ، لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور ، والمعاد والقيام ، والحساب ، والجنة والنار ، والثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب . 
				
						
						
