بسم الله الرحمن الرحيم ( والذاريات ذروا ( 1 ) فالحاملات وقرا ( 2 ) فالجاريات يسرا ( 3 ) فالمقسمات أمرا ( 4 ) إنما توعدون لصادق ( 5 ) وإن الدين لواقع ( 6 ) والسماء ذات الحبك ( 7 ) إنكم لفي قول مختلف ( 8 ) يؤفك عنه من أفك ( 9 ) قتل الخراصون ( 10 ) الذين هم في غمرة ساهون ( 11 ) يسألون أيان يوم الدين ( 12 ) يوم هم على النار يفتنون ( 13 ) ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون ( 14 ) )
قال شعبة بن الحجاج ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة أنه سمع عليا وشعبة أيضا ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن ، سمع أبي الطفيل عليا . وثبت أيضا من غير وجه ، عن أمير المؤمنين : أنه صعد منبر علي بن أبي طالب الكوفة فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله ، ولا عن سنة عن رسول الله ، إلا أنبأتكم بذلك . فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى : ( والذاريات ذروا ) ؟ قال : الريح [ قال ] : ( فالحاملات وقرا ) ؟ قال : السحاب . [ قال ] : ( فالجاريات يسرا ) ؟ قال : السفن . [ قال ] : ( فالمقسمات أمرا ) ؟ قال : الملائكة .
وقد روي في ذلك حديث مرفوع ، فقال الحافظ : حدثنا أبو بكر البزار إبراهيم بن هانئ ، حدثنا سعيد بن سلام العطار ، حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة ، عن يحيى بن سعيد ، عن قال : سعيد بن المسيب الذاريات ذروا ) ؟ فقال : هي الرياح ، ولولا أنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته . قال : فأخبرني عن ( المقسمات أمرا ) قال : هي الملائكة ، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته . قال : فأخبرني عن ( الجاريات يسرا ) قال : هي السفن ، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوله ما قلته . ثم أمر به فضرب مائة ، وجعل في بيت ، فلما برأ [ دعا به و ] ضربه مائة أخرى ، وحمله على قتب ، وكتب إلى جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن ( : امنع الناس من مجالسته . فلم يزل كذلك حتى أتى أبي موسى الأشعري أبا موسى فحلف بالأيمان الغليظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا . فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب عمر : ما إخاله إلا صدق ، فخل بينه وبين مجالسة الناس .
[ ص: 414 ] قال : أبو بكر البزار لين فأبو بكر بن أبي سبرة ، وسعيد بن سلام ليس من أصحاب الحديث .
قلت : فهذا الحديث ضعيف رفعه ، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر ، فإن قصة صبيغ بن عسل مشهورة مع عمر ، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنت وعناد ، والله أعلم .
وقد ذكر الحافظ هذه القصة في ترجمة ابن عساكر صبيغ مطولة . وهكذا فسرها ابن عباس ، ، وابن عمر ومجاهد ، ، وسعيد بن جبير والحسن ، وقتادة ، ، وغير واحد . ولم يحك والسدي ابن جرير غير ذلك . وابن أبي حاتم
وقد قيل : إن المراد بالذاريات : الريح كما تقدم وبالحاملات وقرا : السحاب كما تقدم ; لأنها تحمل الماء ، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل :
وأسلمت نفسي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا
فأما الجاريات يسرا ، فالمشهور عن الجمهور - كما تقدم - : أنها السفن ، تجري ميسرة في الماء جريا سهلا . وقال بعضهم : هي النجوم تجري يسرا في أفلاكها ، ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى ، إلى ما هو أعلى منه ، فالرياح فوقها السحاب ، والنجوم فوق ذلك ، والمقسمات أمرا الملائكة فوق ذلك ، تنزل بأوامر الله الشرعية والكونية . وهذا قسم من الله عز جل على وقوع المعاد ; ولهذا قال : ( إنما توعدون لصادق ) أي : لخبر صدق ، ( وإن الدين ) ، وهو : الحساب ) لواقع ) أي : لكائن لا محالة .
ثم قال : ( والسماء ذات الحبك ) قال ابن عباس : ذات البهاء والجمال والحسن والاستواء . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، ، وسعيد بن جبير وأبو مالك ، ، وأبو صالح ، والسدي وقتادة ، ، وعطية العوفي ، وغيرهم . والربيع بن أنس
وقال الضحاك ، ، وغيرهما : مثل تجعد الماء والرمل والزرع إذا ضربته الريح ، فينسج بعضه بعضا طرائق [ طرائق ] ، فذلك الحبك . والمنهال بن عمرو
قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ، حدثنا ابن علية أيوب ، عن أبي قلابة ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; أنه قال : " " يعني بالحبك الجعودة . إن من ورائكم الكذاب المضل ، وإن رأسه من ورائه حبك حبك
وعن أبي صالح : ( ذات الحبك ) : الشدة . وقال خصيف : ( ذات الحبك ) : ذات الصفاقة . [ ص: 415 ] وقال : ( الحسن بن أبي الحسن البصري ذات الحبك ) : حبكت بالنجوم .
وقال قتادة : عن ، عن سالم بن أبي الجعد معدان بن أبي طلحة ، عن عمرو البكالي ، عن عبد الله بن عمرو : ( والسماء ذات الحبك ) : يعني السماء السابعة .
وكأنه - والله أعلم - أراد بذلك ، وهي عند كثير من علماء الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ، والله أعلم . وكل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد ، وهو الحسن والبهاء ، كما قال السماء التي فيها الكواكب الثابتة ابن عباس رضي الله عنهما ، فإنها من حسنها مرتفعة شفافة صفيقة ، شديدة البناء ، متسعة الأرجاء ، أنيقة البهاء ، مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات ، موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات .
وقوله : ( إنكم لفي قول مختلف ) أي : إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف مضطرب ، لا يلتئم ولا يجتمع .
وقال قتادة : إنكم لفي قول مختلف ، [ يعني ] ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به .
( يؤفك عنه من أفك ) أي : إنما يروج على من هو ضال في نفسه ; لأنه قول باطل إنما ينقاد له ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال غمر ، لا فهم له ، كما قال تعالى : ( فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ) [ الصافات : 161 - 163 ] .
قال ابن عباس ، : ( والسدي يؤفك عنه من أفك ) : يضل عنه من ضل . وقال مجاهد : ( يؤفك عنه من أفك ) يؤفن عنه من أفن . وقال : يصرف عن هذا القرآن من كذب به . الحسن البصري
وقوله : ( قتل الخراصون ) قال مجاهد : الكذابون . قال : وهي مثل التي في عبس : ( قتل الإنسان ما أكفره ) [ عبس : 17 ] ، والخراصون
وقال الذين يقولون لا نبعث ولا يوقنون . علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( قتل الخراصون ) أي : لعن المرتابون .
وهكذا كان معاذ - رضي الله عنه - يقول في خطبه : هلك المرتابون . وقال قتادة : الخراصون أهل الغرة والظنون .
وقوله : ( الذين هم في غمرة ساهون ) : قال ابن عباس وغير واحد : في الكفر والشك غافلون لاهون .
( يسألون أيان يوم الدين ) : وإنما يقولون هذا تكذيبا وعنادا وشكا واستبعادا . قال الله تعالى : ( يوم هم على النار يفتنون ) .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد : ( يفتنون ) : يعذبون [ قال مجاهد ] : كما [ ص: 416 ] يفتن الذهب على النار .
وقال جماعة آخرون كمجاهد أيضا ، وعكرمة ، ، وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم ، : ( يفتنون ) : يحرقون . وسفيان الثوري
( ذوقوا فتنتكم ) : قال مجاهد : حريقكم . وقال غيره : عذابكم . ( هذا الذي كنتم به تستعجلون ) : أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتحقيرا وتصغيرا .