لما ذكر تعالى مآل السابقين - وهم المقربون - عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين - وهم الأبرار - كما قال : أصحاب اليمين منزلة دون المقربين ، فقال : ( ميمون بن مهران وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ) أي : أي شيء أصحاب اليمين ؟ وما حالهم ؟ وكيف مآلهم ؟ ثم فسر ذلك فقال : ( في سدر مخضود ) . قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، وأبو الأحوص ، وقسامة بن زهير ، والسفر بن نسير ، والحسن ، وقتادة ، ، وعبد الله بن كثير ، والسدي وأبو حرزة ، وغيرهم : هو الذي لا شوك فيه . وعن ابن عباس : هو الموقر بالثمر . وهو رواية عن عكرمة ، ومجاهد ، وكذا قال قتادة أيضا : كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك فيه .
والظاهر أن المراد هذا وهذا فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر ، وفي الآخرة على عكس من هذا لا شوك فيه ، وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله ، كما قال الحافظ . أبو بكر بن سلمان النجاد
حدثنا محمد بن محمد هو البغوي ، حدثني حمزة بن عباس ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن صفوان بن عمرو ، قال : سليم بن عامر في سدر مخضود ) ، خضد الله شوكه ، فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها لتنبت ثمرا تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا من طعام ، ما فيها لون يشبه الآخر " . كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون : إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم ; قال : أقبل أعرابي يوما فقال : يا رسول الله ، ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما هي ؟ " . قال : السدر ، فإن له شوكا موذيا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أليس الله يقول : (
طريق أخرى : قال : حدثنا أبو بكر بن أبي داود محمد بن المصفى ، حدثنا ، حدثنا محمد بن المبارك يحيى بن حمزة ، حدثني ، حدثني ثور بن يزيد حبيب بن عبيد ، عن [ ص: 526 ] قال : عتبة بن عبد السلمي . كنت جالسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء أعرابي فقال : يا رسول الله ، أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها ؟ يعني : الطلح ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود ، فيها سبعون لونا من الطعام ، لا يشبه لون آخر "
وقوله : ( وطلح منضود ) : الطلح : شجر عظام يكون بأرض الحجاز ، من شجر العضاة ، واحدته طلحة ، وهو شجر كثير الشوك ، وأنشد ابن جرير لبعض الحداة :
بشرها دليلها وقالا غدا ترين الطلح والجبالا
وقال مجاهد : ( منضود ) أي : متراكم الثمر ، يذكر بذلك قريشا ; لأنهم كانوا يعجبون من وج ، وظلاله من طلح وسدر .
وقال : ( منضود ) : مصفوف . قال السدي ابن عباس : يشبه طلح الدنيا ، ولكن له ثمر أحلى من العسل .
قال الجوهري : والطلح لغة في الطلع .
قلت : وقد روى ابن أبي حاتم من حديث الحسن بن سعد ، عن شيخ من همدان قال : سمعت عليا يقول : هذا الحرف في ( وطلح منضود ) قال : طلع منضود ، فعلى هذا يكون هذا من صفة السدر ، فكأنه وصفه بأنه مخضود وهو الذي لا شوك له ، وأن طلعه منضود ، وهو كثرة ثمره ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو معاوية ، عن إدريس ، عن ، عن جعفر بن إياس ، عن أبي نضرة أبي سعيد : ( وطلح منضود ) قال : الموز . قال : وروي عن ابن عباس ، ، وأبي هريرة والحسن ، وعكرمة ، وقسامة بن زهير ، وقتادة ، وأبي حزرة ، مثل ذلك ، وبه قال مجاهد وابن زيد - وزاد فقال : أهل اليمن يسمون الموز الطلح . ولم يحك ابن جرير غير هذا القول .
وقوله : ( وظل ممدود ) : قال : حدثنا البخاري علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج - يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبي هريرة ، اقرءوا إن شئتم : ( إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وظل ممدود ) .
ورواه مسلم من حديث ، به . الأعرج
وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي هريرة وظل ممدود ) . إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ، اقرءوا إن شئتم : (
[ ص: 527 ] وكذا رواه ، عن البخاري محمد بن سنان ، عن فليح به ، وكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن . وكذا رواه أبي هريرة حماد بن سلمة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن ، والليث بن سعد سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، وعوف ، عن ابن سيرين ، عن [ به ] . أبي هريرة
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا حدثنا شعبة ، سمعت أبا الضحاك يحدث عن ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أبي هريرة
وقال إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين ، أو مائة سنة ، هي شجرة الخلد " . ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا ، عن يزيد بن هارون محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن ، عن رسول الله قال : " أبي هريرة وظل ممدود ) . في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها ، واقرءوا إن شئتم : (
إسناده جيد ، ولم يخرجوه . وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن عبدة وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، به . وقد رواه الترمذي ، من حديث عبد الرحيم بن سليمان ، به .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن زياد - مولى بني مخزوم - عن قال : أبي هريرة وظل ممدود ) . فبلغ ذلك إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ، اقرءوا إن شئتم : ( كعبا فقال : صدق ، والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد ، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ، ثم دار حول تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ، إن الله غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ، وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا ، حدثنا محمد بن منهال الضرير ، عن يزيد بن زريع سعد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، وظل ممدود ) ، قال : " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها " . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قول الله عز وجل : (
وكذا رواه ، عن البخاري روح بن عبد المؤمن ، عن ، وهكذا رواه يزيد بن زريع أبو داود [ ص: 528 ] الطيالسي ، عن ، عن عمران بن داور القطان قتادة به . وكذا رواه معمر ، وأبو هلال ، عن قتادة ، به . وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " وسهل بن سعد . إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها "
فهذا حديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث النقاد ، لتعدد طرقه ، وقوة أسانيده ، وثقة رجاله .
وقد قال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا أبو حصين قال : كنا على باب في موضع ، ومعنا أبو صالح وشقيق - يعني : الضبي - فحدث أبو صالح قال : حدثني قال : إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما . قال أبو صالح : أتكذب أبا هريرة ؟ قال : ما أكذب أبا هريرة ، ولكني أكذبك أنت . فشق ذلك على القراء يومئذ . أبو هريرة
قلت : فقد أبطل من يكذب بهذا الحديث ، مع ثبوته وصحته ورفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الترمذي : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات القزاز ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي حازم ، عن ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي هريرة ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب " . ثم قال : حسن غريب .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن أبي الربيع ، حدثنا ، عن أبو عامر العقدي زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق ظلها قدر ما يسير الراكب في نواحيها مائة عام . قال : فيخرج إليها أهل الجنة ; أهل الغرف وغيرهم ، فيتحدثون في ظلها . قال : فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا ، فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا .
هذا أثر غريب وإسناده جيد قوي حسن .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن يمان ، حدثنا سفيان ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو بن ميمون في قوله : ( وظل ممدود ) قال : سبعون ألف سنة . وكذا رواه ابن جرير ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، مثله . ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : ( وظل ممدود ) قال : خمسمائة ألف سنة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا حصين بن نافع ، عن الحسن في قول الله تعالى : ( وظل ممدود ) قال : في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها .
[ ص: 529 ] وقال عوف عن الحسن : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . رواه إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ابن جرير .
وقال شبيب عن عكرمة ، عن ابن عباس : في الجنة شجر لا يحمل ، يستظل به . رواه ابن أبي حاتم .
وقال الضحاك ، ، والسدي وأبو حرزة في قوله : ( وظل ممدود ) لا ينقطع ، ليس فيها شمس ولا حر ، مثل قبل طلوع الفجر .
وقال ابن مسعود : الجنة سجسج ، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
وقد تقدمت الآيات كقوله : ( وندخلهم ظلا ظليلا ) [ النساء : 57 ] ، وقوله : ( أكلها دائم وظلها ) [ الرعد : 35 ] ، وقوله : ( في ظلال وعيون ) [ المرسلات : 41 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله : ( وماء مسكوب ) قال الثوري : [ يعني ] يجري في غير أخدود .
وقد تقدم الكلام عند تفسير قوله تعالى : ( فيها أنهار من ماء غير آسن ) الآية [ محمد : 15 ] ، بما أغنى عن إعادته هاهنا .
وقوله : ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ) أي : وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ) [ البقرة : 25 ] أي : يشبه الشكل الشكل ، ولكن الطعم غير الطعم . وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى قال : " . " فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثل قلال هجر
وفيهما أيضا من حديث مالك ، عن زيد ، عن ، عن عطاء بن يسار ابن عباس قال : " . خسفت الشمس ، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس معه ، فذكر الصلاة . وفيه : قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت . قال : " إني رأيت الجنة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا عبيد الله ، حدثنا ابن عقيل ، عن جابر قال : . بينا نحن في صلاة الظهر ، إذ تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدمنا معه ، ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر ، فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب : يا رسول الله ، صنعت اليوم [ ص: 530 ] في الصلاة شيئا ما كنت تصنعه ؟ قال : " إنه عرضت علي الجنة ، وما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به ، فحيل بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه "
وروى مسلم ، من حديث ، عن أبي الزبير جابر ، نحوه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن بحر ، حدثنا هشام بن يوسف ، أخبرنا معمر ، عن ، عن يحيى بن أبي كثير عامر بن زيد البكالي : أنه سمع يقول : عتبة بن عبد السلمي . جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الحوض وذكر الجنة ، ثم قال الأعرابي : فيها فاكهة ؟ قال : " نعم ، وفيها شجرة تدعى طوبى " فذكر شيئا لا أدري ما هو ، قال : أي شجر أرضنا تشبه ؟ قال : " ليست تشبه شيئا من شجر أرضك " . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أتيت الشام ؟ " قال : لا . قال : " تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة ، تنبت على ساق واحد ، وينفرش أعلاها " . قال : ما عظم أصلها ؟ قال : " لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما " . قال : فيها عنب ؟ قال : " نعم " . قال : فما عظم العنقود ؟ قال : " مسيرة شهر للغراب الأبقع ، ولا يفتر " . قال : فما عظم الحبة ؟ قال : " هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما ؟ " قال : نعم . قال : " فسلخ إهابه فأعطاه أمك ، فقال : اتخذي لنا منه دلوا ؟ " قال : نعم . قال الأعرابي : فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي ؟ قال : " نعم وعامة عشيرتك "
وقوله : ( لا مقطوعة ولا ممنوعة ) أي : لا تنقطع شتاء ولا صيفا ، بل أكلها دائم مستمر أبدا ، مهما طلبوا وجدوا ، لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء .
قال قتادة : لا يمنعهم من تناولها عود ولا شوك ولا بعد . وقد تقدم في الحديث : " " . إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أخرى
وقوله : ( وفرش مرفوعة ) أي : عالية وطيئة ناعمة .
قال النسائي : حدثنا وأبو عيسى الترمذي أبو كريب ، حدثنا ، عن رشدين بن سعد عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، وفرش مرفوعة ) قال : " ارتفاعها كما بين السماء والأرض ، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام " . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : (
ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه ، إلا من حديث . قال : وقال بعض أهل العلم : معنى هذا الحديث : ارتفاع الفرش في الدرجات ، وبعد ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض . رشدين بن سعد
[ ص: 531 ] هكذا قال : إنه لا يعرف هذا إلا من رواية رشدين بن سعد ، وهو المصري ، وهو ضعيف . وهكذا رواه أبو جعفر بن جرير ، عن أبي كريب ، عن رشدين . ثم رواه هو ، كلاهما عن وابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، فذكره . وكذا رواه ابن أبي حاتم أيضا عن نعيم بن حماد ، عن ابن وهب . وأخرجه الضياء في صفة الجنة من حديث حرملة عن بن وهب ، به مثله . ورواه الإمام أحمد عن حسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، فذكره .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن أبي سهل - يعني : كثير بن زياد - عن الحسن : : ( وفرش مرفوعة ) قال : ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة .
وقوله : ( عربا أترابا لأصحاب اليمين إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا ) جرى الضمير على غير مذكور . لكن لما دل السياق ، وهو ذكر الفرش على النساء اللاتي يضاجعن فيها ، اكتفى بذلك عن ذكرهن ، وعاد الضمير عليهن ، كما في قوله : ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ) [ ص : 31 ، 32 ] يعني : الشمس ، على المشهور من قول المفسرين .
قال الأخفش في قوله : ( إنا أنشأناهن إنشاء ) أضمرهن ولم يذكرهن قبل ذلك . وقال أبو عبيدة : ذكرن في قوله : ( وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة : 22 ، 23 ] .
فقوله : ( إنا أنشأناهن ) أي : أعدناهن في النشأة الآخرة بعدما كن عجائز رمصا ، صرن أبكارا عربا ، أي : بعد الثيوبة عدن أبكارا عربا ، أي : متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة .
وقال بعضهم : ( عربا ) أي : غنجات .
قال موسى بن عبيدة الربذي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : إنا أنشأناهن إنشاء ) قال : " نساء عجائز كن في الدنيا عمشا رمصا " . رواه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الترمذي ، ، وابن جرير . ثم قال وابن أبي حاتم الترمذي : غريب ، وموسى ويزيد ضعيفان .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا - حدثنا آدم - يعني : ابن أبي إياس شيبان ، عن جابر ، عن يزيد بن مرة ، عن سلمة بن يزيد قال : إنا أنشأناهن إنشاء ) يعني : " الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا " . سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قوله : (
[ ص: 532 ] وقال عبد بن حميد : حدثنا مصعب بن المقدام ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال : أتت عجوز فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : " يا أم فلان ، إن الجنة لا تدخلها عجوز " . قال : فولت تبكي ، قال : " أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ، إن الله تعالى يقول : ( إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا )
وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد .
وقال : حدثنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا بكر بن سهل الدمياطي عمرو بن هاشم البيروتي ، حدثنا سليمان بن أبي كريمة ، عن ، عن هشام بن حسان الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : وحور عين ) [ الواقعة : 22 ] ، قال : " حور : بيض ، عين : ضخام العيون ، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر " . قلت : أخبرني عن قوله : ( قول الله : ( كأمثال اللؤلؤ المكنون ) [ الواقعة : 23 ] ، قال : " صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف ، الذي لم تمسه الأيدي " . قلت : أخبرني عن قوله : ( فيهن خيرات حسان ) [ الرحمن : 70 ] . قال : " خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه " . قلت : أخبرني عن قوله : ( كأنهن بيض مكنون ) [ الصافات : 49 ] ، قال : " رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر ، وهو : الغرقئ " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : ( عربا أترابا ) . قال : " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا ، خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى عربا متعشقات محببات ، أترابا على ميلاد واحد " . قلت : يا رسول الله ، ؟ قال : " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين ، كفضل الظهارة على البطانة " . قلت : يا رسول الله ، وبم ذاك ؟ قال : " بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله عز وجل ، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلي ، مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات فلا نموت أبدا ، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا ، طوبى لمن كنا له وكان لنا " . قلت : يا رسول الله ، نساء الدنيا أفضل أم الحور العين قال : " يا أم سلمة ، إنها تخير فتختار أحسنهم خلقا ، فتقول : يا رب ، إن هذا كان أحسن خلقا معي فزوجنيه ، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ، ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها ، من يكون زوجها ؟ . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن
وفي حديث الصور الطويل المشهور أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشفع للمؤمنين كلهم في دخول الجنة فيقول الله : قد شفعتك وأذنت لهم في دخولها . فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " . والذي بعثني بالحق ، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم ، [ ص: 533 ] فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله ، وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله ، بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبده لها مرآة - يعني : وكبدها له مرآة - فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، ولا تشتكي قبلها إلا أنه لا مني ولا منية ، فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها ، فيخرج ، فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك ، وما في الجنة شيء أحب إلي منك "
وقال : أخبرني عبد الله بن وهب عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن ابن حجيرة ، عن ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة أنه قال له : أنطأ في الجنة ؟ قال : " نعم ، والذي نفسي بيده دحما دحما ، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا " .
وقال : حدثنا الطبراني إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي ، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيق الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ، حدثنا شريك ، عن عاصم الأحول ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا " . وقال " : حدثنا أبو داود الطيالسي عمران ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " " . يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في النساء " . قلت : يا رسول الله ، ويطيق ذلك ؟ قال : " يعطى قوة مائة
ورواه الترمذي من حديث أبي داود وقال : صحيح غريب .
وروى من حديث أبو القاسم الطبراني ، عن حسين بن علي الجعفي زائدة ، عن ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين قال : أبي هريرة " . قيل : يا رسول الله ، هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ قال : " إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء
قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي : هذا الحديث عندي على شرط الصحيح ، والله أعلم .
وقوله : ( عربا ) قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يعني متحببات إلى أزواجهن ، ألم تر إلى الناقة الضبعة ، هي كذلك .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : العرب : العواشق لأزواجهن ، وأزواجهن لهن عاشقون . وكذا قال عبد الله بن سرجس ، ومجاهد ، وعكرمة ، ، وأبو العالية ، ويحيى بن أبي كثير وعطية ، [ ص: 534 ] والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم .
وقال ثور بن زيد ، عن عكرمة قال : سئل ابن عباس عن قوله : ( عربا ) قال : هي الملقة لزوجها .
وقال شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة : هي الغنجة .
وقال الأجلح بن عبد الله ، عن عكرمة : هي الشكلة .
وقال صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة في قوله : ( عربا ) قال : الشكلة بلغة أهل مكة ، والغنجة بلغة أهل المدينة .
وقال تميم بن حذلم : هي حسن التبعل .
وقال ، وابنه زيد بن أسلم عبد الرحمن : العرب : حسنات الكلام .
وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن : حدثنا سهل بن عثمان العسكري أبو علي ، عن ، عن أبيه ، عن جده قال : جعفر بن محمد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( عربا ) قال : " كلامهن عربي " .
وقوله : ( أترابا ) قال الضحاك ، عن ابن عباس يعني : في سن واحدة ، ثلاث وثلاثين سنة .
وقال مجاهد : الأتراب : المستويات . وفي رواية عنه : الأمثال . وقال عطية : الأقران . وقال : ( أترابا ) أي : في الأخلاق ، المتواخيات بينهن ، ليس بينهن تباغض ولا تحاسد ، يعني : لا كما كن ضرائر [ في الدنيا ] ضرائر متعاديات . السدي
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الله بن الكهف ، عن الحسن ومحمد : ( عربا أترابا ) قالا : المستويات الأسنان ، يأتلفن جميعا ، ويلعبن جميعا .
وقد روى أبو عيسى الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن أبي معاوية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ، يقلن : نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن كان لنا وكنا له إن في الجنة لمجتمعا للحور العين ، يرفعن أصواتا لم تسمع الخلائق بمثلها " . ثم قال : هذا حديث غريب .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا إسماعيل بن عمر ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن فلان بن عبد الله بن رافع ، عن بعض ولد أنس بن مالك ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " " . إن الحور العين ليغنين في الجنة ، يقلن نحن خيرات حسان ، خبئنا لأزواج كرام
[ ص: 535 ] قلت : إسماعيل بن عمر هذا هو أبو المنذر الواسطي أحد الثقات الأثبات . وقد روى هذا الحديث الإمام ، عن عبد الرحيم بن إبراهيم الملقب بدحيم ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن عون بن الخطاب بن عبد الله بن رافع ، عن ابن لأنس ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الحور العين يغنين في الجنة : نحن الجوار الحسان ، خلقنا لأزواج كرام " .
وقوله : ( لأصحاب اليمين ) أي : خلقنا لأصحاب اليمين ، أو : ادخرن لأصحاب اليمين ، أو : زوجن لأصحاب اليمين . والأظهر أنه متعلق بقوله : ( إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ) فتقديره : أنشأناهن لأصحاب اليمين . وهذا توجيه ابن جرير .
روي عن - رحمه الله - قال : صليت ليلة ، ثم جلست أدعو ، وكان البرد شديدا ، فجعلت أدعو بيد واحدة ، فأخذتني عيني فنمت ، فرأيت حوراء لم ير مثلها وهي تقول : يا أبا سليمان ، أتدعو بيد واحدة وأنا أغذى لك في النعيم من خمسمائة سنة ! أبي سليمان الداراني
قلت : ويحتمل أن يكون قوله : ( لأصحاب اليمين ) متعلقا بما قبله ، وهو قوله : ( أترابا لأصحاب اليمين ) أي : في أسنانهم . كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ، من حديث جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي هريرة ، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ولا يتمخطون ، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في السماء أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون وعفان قالا حدثنا حماد بن سلمة - وروى ، واللفظ له من حديث الطبراني حماد بن سلمة - عن ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة . " يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين ، أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين ، وهم على خلق آدم ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع "
وروى الترمذي من حديث ، عن أبي داود الطيالسي عمران القطان ، عن قتادة ، عن ، عن شهر بن حوشب عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين أبناء ثلاثين ، أو ثلاث وثلاثين سنة " . ثم قال : حسن غريب
[ ص: 536 ] وقال ابن وهب : أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير ، يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة ، لا يزيدون عليها أبدا ، وكذلك أهل النار " .
ورواه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن ، عن رشدين بن سعد عمرو بن الحارث ، به
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا القاسم بن هاشم ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا رواد بن الجراح العسقلاني ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعا بذراع الملك ! على حسن يوسف ، وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة ، وعلى لسان محمد ، جرد مرد مكحلون " .
وقال : حدثنا أبو بكر بن أبي داود محمود بن خالد وعباس بن الوليد قالا : " حدثنا عمر عن الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ، جردا مردا مكحلين ، ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها ، لا تبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين " .
وقوله : ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) أي : جماعة من الأولين وجماعة من الآخرين .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا محمد بن بكار ، حدثنا ، عن سعيد بن بشير قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن - قال : وكان بعضهم يأخذ عن بعض - قال : عبد الله بن مسعود أليس منكم رجل رشيد ) [ هود : 78 ] - قال : حتى مر علي موسى بن عمران في كبكبة من بني إسرائيل " . قال : " قلت : ربي من هذا ؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران ومن معه من بني إسرائيل " . قال : " قلت : رب فأين أمتي ؟ قال : انظر عن يمينك في الظراب . قال : " فإذا وجوه الرجال " . قال : " قال : أرضيت ؟ " قال : قلت : " قد رضيت ، رب " . قال : انظر إلى الأفق عن يسارك فإذا وجوه الرجال . قال : أرضيت ؟ قلت : " رضيت ، رب " . قال : فإن مع هؤلاء سبعين ألفا ، يدخلون الجنة بغير حساب " . قال : وأنشأ من عكاشة بن محصن بني أسد - قال سعيد : وكان بدريا - قال : يا نبي الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . قال : فقال : " اللهم اجعله منهم " . قال : أنشأ رجل آخر ، قال : يا نبي الله ، ادع الله [ ص: 537 ] أن يجعلني منهم . فقال : " سبقك بها عكاشة " قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فإن استطعتم - فداكم أبي وأمي - أن تكونوا من أصحاب السبعين فافعلوا وإلا فكونوا من أصحاب الظراب ، وإلا فكونوا من أصحاب الأفق ، فإني قد رأيت ناسا كثيرا قد تأشبوا حوله " . ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " . فكبرنا ، ثم قال : " إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة " . قال : فكبرنا ، قال : " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " . قال : فكبرنا . ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال : فقلنا بيننا : من هؤلاء السبعون ألفا ؟ فقلنا : هم الذين ولدوا في الإسلام ، ولم يشركوا . قال : فبلغه ذلك فقال : " بل هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " . أكرينا ذات ليلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم غدونا عليه ، فقال : " عرضت علي الأنبياء وأتباعها بأممها ، فيمر علي النبي ، والنبي في العصابة ، والنبي في الثلاثة ، والنبي ليس معه أحد - وتلا قتادة هذه الآية : (
وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة ، به نحوه . وهذا الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحاح وغيرها .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران ، حدثنا سفيان ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هما جميعا من أمتي " .