( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم  ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون   ( 5 ) سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين   ( 6 ) هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون   ( 7 ) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون   ( 8 ) ) 
يقول تعالى مخبرا عن المنافقين - عليهم لعائن الله - أنهم ( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ) أي : صدوا وأعرضوا عما قيل لهم استكبارا عن ذلك ، واحتقارا لما قيل لهم ولهذا قال : ( ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون   ) ثم جازاهم على ذلك فقال : ( سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين   ) كما قال في سورة " براءة " وقد تقدم الكلام على ذلك ، وإيراد الأحاديث المروية هنالك . 
 [ ص: 127 ] 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العدني  قال : قال سفيان   ( لووا رءوسهم   ) قال  ابن أبي عمر   : حول سفيان  وجهه على يمينه ، ونظر بعينه شزرا ، ثم قال : هم هذا . 
وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبد الله بن أبي بن سلول  كما سنورده قريبا إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة وعليه التكلان . 
وقد قال محمد بن إسحاق  في السيرة : ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة   - يعني مرجعه من أحد - وكان عبد الله بن أبي بن سلول   - كما حدثني  ابن شهاب الزهري   - له مقام يقومه كل جمعة لا ينكر ، شرفا له من نفسه ومن قومه ، وكان فيهم شريفا ، إذا جلس النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام ، فقال : أيها الناس ، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهركم ، أكرمكم الله به ، وأعزكم به ، فانصروه وعزروه ، واسمعوا له وأطيعوا . ثم جلس ، حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع - يعني مرجعه بثلث الجيش - ورجع الناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله ، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا : اجلس ، أي عدو الله ، لست لذلك بأهل ، وقد صنعت ما صنعت . فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول : والله لكأنما قلت بجرا ; أن قمت أشدد أمره . فلقيه رجال من الأنصار  بباب المسجد فقالوا : ويلك . ما لك ؟ قال : قمت أشدد أمره ، فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني ، لكأنما قلت بجرا ، أن قمت أشدد أمره . قالوا : ويلك . ارجع يستغفر لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : والله ما أبتغي أن يستغفر لي 
وقال قتادة  ،  والسدي   : أنزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي  وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه بحديث عنه وأمر شديد ، فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يحلف بالله ويتبرأ من ذلك ، وأقبلت الأنصار  على ذلك الغلام فلاموه وعذموه ، وأنزل الله فيه ما تسمعون ، وقيل لعدو الله : لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فجعل يلوي رأسه ، أي : لست فاعلا 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الربيع الزهراني  ، حدثنا حماد بن زيد  ، حدثنا أيوب  ، عن سعيد بن جبير   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي فيه ، فلما كانت غزوة تبوك  بلغه أن عبد الله بن أبي بن سلول  قال : ( ليخرجن الأعز منها الأذل   ) فارتحل قبل أن ينزل آخر النهار ، وقيل لعبد الله بن أبي   : ائت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يستغفر لك . فأنزل الله : ( إذا جاءك المنافقون   ) إلى قوله : ( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم   ) 
وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير   . وقوله : إن ذلك كان في غزوة تبوك  فيه نظر ، بل ليس بجيد ; فإن عبد الله بن أبي بن سلول  لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك  بل رجع بطائفة من الجيش . وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع ، وهي غزوة بني المصطلق   . 
 [ ص: 128 ] 
قال  يونس بن بكير  ، عن ابن إسحاق   : حدثني محمد بن يحيى بن حبان  ، وعبد الله بن أبي بكر  ،  وعاصم بن عمر بن قتادة  في قصة بني المصطلق   : فبينا رسول الله مقيم هناك ، اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري   - وكان أجيرا -  لعمر بن الخطاب  ، وسنان بن وبر  ، قال ابن إسحاق   : فحدثني محمد بن يحيى بن حبان  قال : ازدحما على الماء فاقتتلا ، فقال سنان   : يا معشر الأنصار   . وقال الجهجاه   : يا معشر المهاجرين   -  وزيد بن أرقم  ، ونفر من الأنصار  عند عبد الله بن أبي   - فلما سمعها قال : قد ثاورونا في بلادنا . والله ما مثلنا وجلابيب قريش  هذه إلا كما قال القائل : " سمن كلبك يأكلك " . والله لئن رجعنا إلى المدينة  ليخرجن الأعز منها الأذل . ثم أقبل على من عنده من قومه وقال : هذا ما صنعتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم في بلادكم إلى غيرها . فسمعها  زيد بن أرقم  فذهب بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غليم - وعنده  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه - فأخبره الخبر ، فقال عمر  رضي الله عنه : يا رسول الله ، مر  عباد بن بشر  فليضرب عنقه . فقال - صلى الله عليه وسلم - :  " فكيف إذا تحدث الناس - يا عمر   - أن محمدا  يقتل أصحابه ؟ لا ، ولكن ناد يا عمر  في الرحيل " . 
فلما بلغ عبد الله بن أبي  أن ذلك قد بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه فاعتذر إليه ، وحلف بالله ما قال ما قال عليه  زيد بن أرقم   - وكان عند قومه بمكان - فقالوا : يا رسول الله ، عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل . 
وراح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها ، فلقيه أسيد بن الحضير  فسلم عليه بتحية النبوة ، ثم قال : والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي ؟   . زعم أنه إذا قدم المدينة  سيخرج الأعز منها الأذل " . قال : فأنت - يا رسول الله - العزيز وهو الذليل . ثم قال : يا رسول الله ، ارفق به ، فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه ، فإنه ليرى أن قد استلبته ملكا . 
فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس حتى أمسوا ليلته حتى أصبحوا ، وصدر يومه حتى اشتد الضحى . ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث ، فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ، ونزلت سورة " المنافقين " 
وقال الحافظ  أبو بكر البيهقي   : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ  أخبرنا أبو بكر بن إسحاق  ، أخبرنا بشر بن موسى  ، حدثنا  الحميدي  ، حدثنا سفيان  ، حدثنا  عمرو بن دينار  ، سمعت  جابر بن عبد الله  يقول : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فكسع رجل من المهاجرين  رجلا من الأنصار  فقال الأنصاري : ياللأنصار   . وقال المهاجري : يا للمهاجرين   . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما بال دعوى الجاهلية ؟ دعوها فإنها منتنة " . وقال عبد الله بن أبي  بن سلول - وقد فعلوها - : والله لئن رجعنا  [ ص: 129 ] إلى المدينة  ليخرجن الأعز منها الأذل . قال جابر   : وكان الأنصار  بالمدينة  أكثر من المهاجرين  حين قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كثر المهاجرون  بعد ذلك ، فقال عمر   : دعني أضرب عنق هذا المنافق   . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دعه ; لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " 
ورواه  الإمام أحمد  ، عن حسين بن محمد المروزي  ، عن سفيان بن عيينة  ، ورواه  البخاري  ، عن  الحميدي  ، ومسلم  عن أبي بكر بن أبي شيبة  ، وغيره ، عن سفيان  به نحوه 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن جعفر  ، حدثنا شعبة  ، عن الحكم  ، عن  محمد بن كعب القرظي  ، عن  زيد بن أرقم  قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ،  فقال عبد الله بن أبي   : لئن رجعنا إلى المدينة  ليخرجن الأعز منها الأذل . قال : فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، قال : فحلف عبد الله بن أبي  أنه لم يكن شيء من ذلك . قال : فلامني قومي وقالوا : ما أردت إلى هذا ؟ قال : فانطلقت ، فنمت كئيبا حزينا ، قال : فأرسل إلي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " إن الله قد أنزل عذرك وصدقك " . قال : فنزلت هذه الآية ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا   ) حتى بلغ : ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل   ) 
ورواه  البخاري  عند هذه الآية ، عن  آدم بن أبي إياس  ، عن شعبة  ، ثم قال : " وقال ابن أبي زائدة  ، عن الأعمش  ، عن عمرو  ، عن  ابن أبي ليلى  ، عن زيد  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواه ، الترمذي  ،  والنسائي  ، عندها أيضا من حديث شعبة  ، به 
طريق أخرى عن زيد   : قال  الإمام أحمد  رحمه الله ، حدثنا  يحيى بن آدم  ، ويحيى بن أبي بكير  ، قال : حدثنا إسرائيل  ، عن أبي إسحاق  ، قال : سمعت  زيد بن أرقم  ، - وقال ابن أبي بكير  ، عن  زيد بن أرقم   - قال : خرجت مع عمي في غزاة ، فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول  يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله ، ولئن رجعنا إلى المدينة  ليخرجن الأعز منها الأذل . فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثته ، فأرسل إلى عبد الله بن أبي بن سلول  وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا : فكذبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقه ، فأصابني هم لم يصبني مثله قط ، وجلست في البيت ، فقال عمي : ما أردت إلا أن كذبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومقتك . قال : حتى أنزل الله : ( إذا جاءك المنافقون   ) قال : فبعث إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأها رسول الله علي ، ثم قال : " إن الله قد صدقك " 
ثم قال أحمد  أيضا : حدثنا حسن بن موسى  ، حدثنا زهير  ، حدثنا أبو إسحاق   : أنه سمع زيد  [ ص: 130 ] بن أرقم يقول : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فأصاب الناس شدة ، فقال عبد الله بن أبي  لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله . وقال : لئن رجعنا إلى المدينة  ليخرجن الأعز منها الأذل . فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك ، فأرسل إلى عبد الله بن أبي  فسأله ، فاجتهد يمينه ما فعل . فقالوا : كذب زيد  يا رسول الله . فوقع في نفسي ما قالوا ، حتى أنزل الله تصديقي : ( إذا جاءك المنافقون   ) قال : ودعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر لهم ، فلووا رءوسهم . وقوله تعالى : ( كأنهم خشب مسندة   ) قال : كانوا رجالا أجمل شيء  . 
وقد رواه  البخاري  ، ومسلم  ،  والنسائي  من حديث زهير  ، ورواه  البخاري  أيضا  ، والترمذي  من حديث إسرائيل  ، كلاهما عن  أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي  ، عن زيد  به . 
طريق أخرى عن زيد   : قال أبو عيسى الترمذي   : حدثنا عبد بن حميد  ، حدثنا  عبيد الله بن موسى  ، عن إسرائيل  ، عن  السدي  ، عن أبي سعد الأزدي  قال : حدثنا  زيد بن أرقم  قال : غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان معنا أناس من الأعراب ، فكنا نبتدر الماء ، وكان الأعراب يسبقوننا يسبق الأعرابي أصحابه يملأ الحوض ، ويجعل حوله حجارة ، ويجعل النطع عليه حتى يجيء أصحابه . قال : فأتى رجل من الأنصار  الأعرابي ، فأرخى زمام ناقته لتشرب ، فأبى أن يدعه ، فانتزع حجرا ففاض الماء ، فرفع الأعرابي خشبة ، فضرب بها رأس الأنصاري فشجه ، فأتى عبد الله بن أبي  رأس المنافقين ، فأخبره - وكان من أصحابه - فغضب عبد الله بن أبي  ، ثم قال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله - يعني الأعراب - وكانوا يحضرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الطعام . فقال عبد الله لأصحابه : إذا انفضوا من عند محمد  فائتوا محمدا  بالطعام ، فليأكل هو ومن عنده ، ثم قال لأصحابه : إذا رجعتم إلى المدينة  فليخرج الأعز منها الأذل . قال زيد   : وأنا ردف عمي ، فسمعت عبد الله فأخبرت عمي ، فانطلق ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليه رسول الله ، فحلف وجحد ، قال : فصدقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذبني ، فجاء إلي عمي فقال : ما أردت إلا أن مقتك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذبك المسلمون . فوقع علي من الغم ما لم يقع على أحد قط ، فبينما أنا أسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر وقد خفقت برأسي من الهم ، إذ أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرك أذني ، وضحك في وجهي ، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا ، ثم إن أبا بكر  لحقني وقال : ما قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : ما قال لي رسول الله شيئا ، غير أن عرك أذني وضحك في وجهي . فقال : أبشر . ثم لحقني عمر  فقلت له مثل قولي لأبي بكر   . فلما أن أصبحنا قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة " المنافقين "  . 
انفرد بإخراجه الترمذي  وقال : هذا حديث حسن صحيح . وهكذا رواه  الحافظ البيهقي  ، عن  [ ص: 131 ]  الحاكم  ، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي  ، عن سعيد بن مسعود  ، عن  عبيد الله بن موسى  به ، وزاد بعد قوله : " سورة المنافقين " ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول   ) حتى بلغ : ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا   ) حتى بلغ : ( ليخرجن الأعز منها الأذل   ) 
وقد روى  عبد الله بن لهيعة  ، عن أبي الأسود  عروة بن الزبير  في المغازي - وكذا ذكر  موسى بن عقبة  في مغازيه أيضا هذه القصة بهذا السياق ، ولكن جعلا الذي بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلام عبد الله بن أبي بن سلول  إنما هو أوس بن أرقم  من بني الحارث بن الخزرج   . فلعله مبلغ آخر ، أو تصحيف من جهة السمع ، والله أعلم . 
وقد قال ابن أبي حاتم  رحمه الله : حدثنا محمد بن عزيز الأيلي  ، حدثنا سلامة  ، حدثني ، عقيل  ، أخبرني محمد بن مسلم  ، أن عروة بن الزبير  ، وعمرو بن ثابت الأنصاري  ، أخبراه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة المريسيع ، وهي التي هدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها مناة الطاغية التي كانت بين قفا المشلل  وبين البحر ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد  فكسر مناة ، فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك ، أحدهما من المهاجرين ،  والآخر من بهز  وهم حلفاء الأنصار  فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين  على البهزي ، فقال البهزي : يا معشر الأنصار  فنصره رجال من الأنصار  وقال المهاجري : يا معشر المهاجرين  فنصره رجال من المهاجرين  حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين  والرجال من الأنصار  شيء من القتال ، ثم حجز بينهم فانكفأ كل منافق - أو : رجل في قلبه مرض - إلى عبد الله بن أبي بن سلول  فقال : قد كنت ترجى ، وتدفع ، فأصبحت لا تضر ولا تنفع ، قد تناصرت علينا الجلابيب - وكانوا يدعون كل حديث هجرة الجلابيب - فقال عبد الله بن أبي  عدو الله : والله لئن رجعنا إلى المدينة  ليخرجن الأعز منها الأذل . قال مالك بن الدخشم   - وكان من المنافقين - : أولم أقل لكم لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا . فسمع بذلك  عمر بن الخطاب  فأقبل يمشي حتى جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس ، أضرب عنقه - يريد عمر  عبد الله بن أبي   - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر   : " أو قاتله أنت إن أمرتك بقتله ؟ " . قال : عمر  نعم ، والله لئن أمرتني بقتله لأضربن عنقه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجلس " . فأقبل أسيد بن الحضير   - وهو أحد الأنصار  ثم أحد بني عبد الأشهل   - حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس حتى أضرب عنقه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أوقاتله أنت إن أمرتك بقتله ؟ " . قال : نعم ، والله لئن أمرتني بقتله لأضربن بالسيف تحت قرط أذنيه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجلس " . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " آذنوا بالرحيل " . فهجر بالناس ، فسار  [ ص: 132 ] يومه وليلته والغد حتى متع النهار ، ثم نزل . ثم هجر بالناس مثلها ، فصبح بالمدينة  في ثلاث سارها من قفا المشلل فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة  أرسل إلى عمر  فدعاه ، فقال له رسول الله : " أي عمر  ، أكنت قاتله لو أمرتك بقتله ؟ " قال عمر   : نعم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " والله لو قتلته يومئذ لأرغمت أنوف رجال لو أمرتهم اليوم بقتله امتثلوه فيتحدث الناس أني قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبرا " . وأنزل الله عز وجل : ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا   ) إلى قوله : ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل   ) الآية . 
وهذا سياق غريب ، وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه . 
وقال محمد بن إسحاق بن يسار   : حدثني  عاصم بن عمر بن قتادة   : أن عبد الله بن أبي   - يعني لما بلغه ما كان من أمر أبيه - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي  فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج  ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي  يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بل نترفق به ونحسن صحبته ، ما بقي معنا  " 
وذكر عكرمة  ، وابن زيد  ، وغيرهما : أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة  وقف عبد الله بن عبد الله  هذا على باب المدينة  واستل سيفه ، فجعل الناس يمرون عليه ، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبي  قال له ابنه : وراءك . فقال : ما لك ؟ ويلك . فقال : والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه العزيز وأنت الذليل . فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إنما يسير ساقة فشكا إليه عبد الله بن أبي  ابنه ، فقال ابنه عبد الله : والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له . فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أما إذ أذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجز الآن  . 
وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير  في مسنده : حدثنا سفيان بن عيينة  ، حدثنا أبو هارون المدني  ، قال : قال  عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول  لأبيه : والله لا تدخل المدينة  أبدا حتى تقول : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأعز وأنا الأذل . قال : وجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنه بلغني أنك تريد أن تقتل أبي ، فوالذي بعثك بالحق ما تأملت وجهه قط هيبة له ، لئن شئت أن آتيك برأسه لآتينك ، فإني أكره أن أرى قاتل أبي 
				
						
						
