( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين    ( 11 ) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين   ( 12 ) ) 
 [ ص: 172 ] 
وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم ، كما قال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة   ) [ آل عمران : 28 ] . 
قال : قتادة  كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده ، فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن الله حكم عدل ، لا يؤاخذ أحدا إلا بذنبه . 
وقال ابن جرير   : حدثنا إسماعيل بن حفص الأبلي  ، حدثنا محمد بن جعفر  ، عن سليمان التيمي  ، عن  أبي عثمان النهدي  ، عن سلمان  قال : كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس ، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة  . 
ثم رواه عن محمد بن عبيد المحاربي  ، عن أسباط بن محمد  ، عن سليمان التيمي  ، به . 
ثم قال ابن جرير   : حدثني يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا  ابن علية  ، عن  هشام الدستوائي  ، حدثنا القاسم بن أبي بزة  ، قال : كانت امرأة فرعون تسأل : من غلب ؟ فيقال : غلب موسى ،  وهارون   . فتقول : آمنت برب موسى ،  وهارون ،  فأرسل إليها فرعون ، فقال : انظروا أعظم صخرة تجدونها ، فإن مضت على قولها فألقوها عليها ، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته ، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها في الجنة ، فمضت على قولها ، وانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح  . 
فقولها : ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة   ) قال العلماء : اختارت الجار قبل الدار . وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع ، ( ونجني من فرعون وعمله   ) أي : خلصني منه ، فإني أبرأ إليك من عمله ، ( ونجني من القوم الظالمين   ) وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم ،  رضي الله عنها . 
وقال أبو جعفر الرازي  ، عن الربيع بن أنس  ، عن أبي العالية  قال : كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون ، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون ، فوقع المشط من يدها ، فقالت تعس من كفر بالله ؟ فقالت لها ابنة فرعون : ولك رب غير أبي ؟ قالت : ربي ، ورب أبيك ، ورب كل شيء الله . فلطمتها بنت فرعون وضربتها ، وأخبرت أباها ، فأرسل إليها فرعون ، فقال : تعبدين ربا غيري ؟ قالت : نعم ، ربي ، وربك ، ورب كل شيء الله . وإياه أعبد فعذبها فرعون ، وأوتد لها أوتادا ، فشد رجليها ، ويديها ، وأرسل عليها الحيات ، وكانت كذلك ، فأتى عليها يوما ، فقال لها : ما أنت منتهية ؟ فقالت له : ربي ، وربك ، ورب كل شيء الله . فقال لها : إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي . فقالت له : اقض ما أنت قاض . فذبح ابنها في فيها ، وإن روح ابنها بشرها ، فقال لها : أبشري يا أمه ، فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا . فصبرت ثم أتى عليها فرعون يوما آخر فقال لها  [ ص: 173 ] مثل ذلك ، فقالت له مثل ذلك ، فذبح ابنها الآخر في فيها ، فبشرها روحه أيضا ، وقال لها . اصبري يا أمه ، فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا . قال : وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ، ثم الأصغر ، فآمنت امرأة فرعون ، وقبض الله روح امرأة خازن فرعون ، وكشف الغطاء عن ثوبها ، ومنزلتها ، وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون حتى رأت ، فازدادت إيمانا ويقينا ، وتصديقا ، فاطلع فرعون على إيمانها ، فقال للملإ ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟  فأثنوا عليها ، فقال لهم : إنها تعبد غيري . فقالوا له : اقتلها . فأوتد لها أوتادا فشد يديها ورجليها ، فدعت آسية  ربها فقالت : ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة   ) فوافق ذلك أن حضرها فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنة ، فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها ، إنا نعذبها وهي تضحك ، فقبض الله روحها ، رضي الله عنها  . 
وقوله : ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها   ) أي حفظته وصانته . والإحصان : هو العفاف والحرية ، ( فنفخنا فيه من روحنا   ) أي : بواسطة الملك ، وهو جبريل  فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سوي ، وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها ، فنزلت النفخة فولجت في فرجها ، فكان منه الحمل بعيسى ، عليه السلام . ولهذا قال : ( فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه   ) أي : بقدره وشرعه ( وكانت من القانتين   ) 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا يونس  ، حدثنا داود بن أبي الفرات  ، عن علباء  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض أربعة خطوط ، وقال : " أتدرون ما هذا ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل نساء أهل الجنة :  خديجة بنت خويلد ،   وفاطمة بنت محمد ،  ومريم ابنة عمران ،  وآسية بنت مزاحم  امرأة فرعون "  . 
وثبت في الصحيحين من حديث شعبة  ، عن عمرو بن مرة  ، عن  مرة الهمداني  ، عن  أبي موسى الأشعري  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  " كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ،  ومريم ابنة عمران ،   وخديجة بنت خويلد ،  وإن فضل عائشة  على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "  . 
وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث ، وألفاظها ، والكلام عليها في قصة عيسى ابن مريم  عليهما السلام ، في كتابنا " البداية والنهاية " ولله الحمد والمنة وذكرنا ما ورد من الحديث من أنها تكون هي وآسية بنت مزاحم  من أزواجه ، عليه السلام ، في الجنة عند قوله : ( ثيبات وأبكارا   ) 
				
						
						
