( أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور ( 20 ) أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور ( 21 ) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ( 22 ) قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ( 23 ) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ( 24 ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( 25 ) قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين ( 26 ) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ( 27 ) )
[ ص: 181 ]
يقول تعالى للمشركين الذين عبدوا غيره ، يبتغون عندهم نصرا ورزقا ، منكرا عليهم فيما اعتقدوه ، ومخبرا لهم أنه لا يحصل لهم ما أملوه ، فقال : ( أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ) أي : ليس لكم من دونه من ولي ولا واق ، ولا ناصر لكم غيره ; ولهذا قال : ( إن الكافرون إلا في غرور )
ثم قال : ( أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ) ؟ ! أي : من هذا الذي إذا قطع الله رزقه عنكم يرزقكم بعده ؟ ! أي : أي : وهم يعلمون ذلك ، ومع هذا يعبدون غيره ; ولهذا قال : ( بل لجوا ) أي : استمروا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم ) في عتو ونفور ) أي : معاندة ، واستكبارا ، ونفورا على أدبارهم عن الحق ، أي لا يسمعون له ولا يتبعونه . لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق ، وينصر إلا الله ، عز وجل ، وحده لا شريك له ،
ثم قال : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) ؟ : وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبا على وجهه ، أي : يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه ، أي : لا يدري أين يسلك ، ولا كيف يذهب ؟ بل تائه حائر ضال ، أهذا أهدى ( أمن يمشي سويا ) أي : منتصب القامة ) على صراط مستقيم ) أي : على طريق واضح بين ، وهو في نفسه مستقيم ، وطريقه مستقيمة . هذا مثلهم في الدنيا ، وكذلك يكونون في الآخرة . فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم ، مفضى به إلى الجنة الفيحاء ، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم ، ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون )
قال رحمه الله : حدثنا الإمام أحمد ابن نمير ، حدثنا إسماعيل ، عن نفيع ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : " . قيل : يا رسول الله ، كيف يحشر الناس على وجوههم ؟ فقال : " أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طريق يونس بن محمد ، عن شيبان ، عن قتادة عن [ ص: 182 ] أنس به نحوه .
وقوله : ( قل هو الذي أنشأكم ) أي : ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ، ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) أي : العقول والإدراك ، ( قليلا ما تشكرون ) أي : ما أقل تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم ، في طاعته ، وامتثال أوامره ، وترك زواجره .
( قل هو الذي ذرأكم في الأرض ) أي : بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها ، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم ، وحلاكم وأشكالكم وصوركم ، ( وإليه تحشرون ) أي : تجمعون بعد هذا التفرق والشتات ، يجمعكم كما فرقكم ويعيدكم كما بدأكم .
ثم قال مخبرا عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه : ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) أي : متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق ؟ ( قل إنما العلم عند الله ) أي : لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا الله ، عز وجل ، لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه ، ( وإنما أنا نذير مبين ) وإنما علي البلاغ ، وقد أديته إليكم .
قال الله تعالى : ( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ) أي : لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ، ورأوا أن الأمر كان قريبا ; لأن كل ما هو آت آت وإن طال زمنه ، فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك ، لما يعلمون ما لهم هناك من الشر ، أي : فأحاط بهم ذلك ، وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب ، ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) [ الزمر : 47 ، 48 ] ; ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ : ( هذا الذي كنتم به تدعون ) أي : تستعجلون .