[ ص: 208 ] تفسير سورة الحاقة  وهي مكية . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( الحاقة   ( 1 ) ما الحاقة   ( 2 ) وما أدراك ما الحاقة   ( 3 ) كذبت ثمود وعاد بالقارعة   ( 4 ) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية   ( 5 ) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية   ( 6 ) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية   ( 7 ) فهل ترى لهم من باقية   ( 8 ) وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة   ( 9 ) فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية   ( 10 ) إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية   ( 11 ) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية   ( 12 ) ) 
الحاقة من أسماء يوم القيامة   ; لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ; ولهذا عظم تعالى أمرها فقال : ( وما أدراك ما الحاقة   ) ؟ 
ثم ذكر تعالى إهلاكه الأمم المكذبين بها فقال تعالى : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية   ) وهي الصيحة التي أسكتتهم ، والزلزلة التي أسكنتهم   . هكذا قال قتادة  ، الطاغية : الصيحة . وهو اختيار ابن جرير   . 
وقال مجاهد   : الطاغية الذنوب . وكذا قال الربيع بن أنس  وابن زيد   : إنها الطغيان ، وقرأ ابن زيد   : ( كذبت ثمود بطغواها   ) [ الشمس : 11 ] . 
وقال  السدي   : ( فأهلكوا بالطاغية   ) قال : يعني : عاقر الناقة . 
( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر   ) أي : باردة . قال قتادة  والربيع   والسدي   والثوري   : ( عاتية ) أي : شديدة الهبوب . قال قتادة   : عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم . 
وقال الضحاك   : ( صرصر ) باردة ) عاتية ) عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة . وقال علي  وغيره : عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب . 
( سخرها عليهم ) أي : سلطها عليهم ( سبع ليال وثمانية أيام حسوما   ) أي : كوامل متتابعات مشائيم . 
 [ ص: 209 ] 
قال ابن مسعود   وابن عباس  ومجاهد  وعكرمة   والثوري  وغير واحد ) حسوما ) متتابعات . 
وعن عكرمة  والربيع   : مشائيم عليهم ، كقوله : ( في أيام نحسات   ) [ فصلت : 16 ] قال الربيع   : وكان أولها الجمعة . وقال غيره الأربعاء . ويقال : إنها التي تسميها الناس الأعجاز ; وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى : ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية   ) وقيل : لأنها تكون في عجز الشتاء ، ويقال : أيام العجوز ; لأن عجوزا من قوم عاد  دخلت سربا فقتلها الريح في اليوم الثامن . حكاه البغوي  والله أعلم . 
قال ابن عباس   : ( خاوية ) خربة . وقال غيره : بالية ، أي : جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتا على أم رأسه ، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان . 
وقد ثبت في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور  " . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحيى بن الضريس العبدي  ، حدثنا ابن فضيل  ، عن مسلم  ، عن مجاهد  ، عن ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم ، فجعلتهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح وما فيها قالوا : هذا عارض ممطرنا ، فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة  " . 
وقال الثوري  ، عن ليث  ، عن مجاهد   : الريح لها جناحان وذنب . 
( فهل ترى لهم من باقية   ) ؟ أي : هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أنه ممن ينتسب إليهم ؟ بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل الله لهم خلفا . 
ثم قال تعالى : ( وجاء فرعون ومن قبله    ) قرئ بكسر القاف ، أي : ومن عنده في زمانه من أتباعه من كفار القبط   . وقرأ آخرون بفتحها ، أي : ومن قبله من الأمم المشبهين له . 
وقوله : ( والمؤتفكات ) وهم المكذبون بالرسل . ) بالخاطئة ) أي بالفعلة الخاطئة ، وهي التكذيب بما أنزل الله . 
قال الربيع   : ( بالخاطئة ) أي : بالمعصية وقال مجاهد   : بالخطايا . 
 [ ص: 210 ] 
ولهذا قال : تعالى ( فعصوا رسول ربهم   ) وهذا جنس ، أي : كل كذب رسول الله إليهم . كما قال : ( كل كذب الرسل فحق وعيد   ) [ ق : 14 ] . ومن كذب رسول الله فقد كذب بالجميع ، كما قال : ( كذبت قوم نوح المرسلين   ) [ الشعراء : 105 ] ، ( كذبت عاد المرسلين   ) [ الشعراء : 123 ] . ( كذبت ثمود المرسلين   ) [ الشعراء : 141 ] وإنما جاء إلى كل أمة رسول واحد ; ولهذا قال ها هنا : ( فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية   ) أي : عظيمة شديدة أليمة . 
قال مجاهد   : ( رابية ) شديدة . وقال  السدي   : مهلكة . 
ثم قال الله تعالى : ( إنا لما طغى الماء   ) أي : زاد على الحد بإذن الله وارتفع على الوجود . وقال ابن عباس  وغيره : ( طغى الماء ) كثر - وذلك بسبب دعوة نوح  عليه السلام ، على قومه حين كذبوه وخالفوه ، فعبدوا غير الله فاستجاب الله له وعم أهل الأرض بالطوفان إلا من كان مع نوح  في السفينة  ، فالناس كلهم من سلالة نوح  وذريته . 
وقال ابن جرير   : حدثنا ابن حميد  ، حدثنا مهران  ، عن أبي سنان سعيد بن سنان  ، عن غير واحد ، عن  علي بن أبي طالب  قال : لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي ملك ، فلما كان يوم نوح  أذن للماء دون الخزان ، فطغى الماء على الخزان فخرج ، فذلك قول الله : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية   ) ولم ينزل شيء من الريح إلا بكيل على يدي ملك ، إلا يوم عاد ،  فإنه أذن لها دون الخزان فخرجت ، فذلك قوله : ( بريح صرصر عاتية   ) عتت على الخزان . 
ولهذا قال تعالى ممتنا على الناس : ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية   ) وهي السفينة الجارية على وجه الماء ، ( لنجعلها لكم تذكرة   ) عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى عليه ، أي : وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار ، كما قال : ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه   ) [ الزخرف : 12 ، 13 ] ، وقال تعالى : ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون   ) [ يس : 41 ، 42 ] . 
وقال قتادة   : أبقى الله السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة ، والأول أظهر ; ولهذا قال : ( وتعيها أذن واعية   ) أي : وتفهم هذه النعمة ، وتذكرها أذن واعية . 
قال ابن عباس   : حافظة سامعة ، وقال قتادة   : ( أذن واعية   ) عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله ، وقال الضحاك   : ( وتعيها أذن واعية   ) سمعتها أذن ووعت . أي : من له سمع صحيح وعقل رجيح . وهذا عام فيمن فهم ، ووعى . 
 [ ص: 211 ] 
وقد قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو زرعة الدمشقي  ، حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الدمشقي  ، حدثنا زيد بن يحيى  ، حدثنا علي بن حوشب  ، سمعت مكحولا  يقول : لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وتعيها أذن واعية   ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سألت ربي أن يجعلها أذن علي   " . [ قال مكحول   ] فكان علي  يقول : ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فنسيته  . 
وهكذا رواه ابن جرير  ، عن علي بن سهل  ، عن  الوليد بن مسلم  ، عن علي بن حوشب  ، عن مكحول  به . وهو حديث مرسل . 
وقد قال ابن أبي حاتم  أيضا : حدثنا جعفر بن محمد بن عامر  ، حدثنا بشر بن آدم  ، حدثنا عبد الله بن الزبير أبو محمد - يعني والد أبي أحمد الزبيري   - حدثني صالح بن الهيثم  ، سمعت بريدة الأسلمي  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي   : " إني أمرت أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن أعلمك وأن تعي ، وحق لك أن تعي " . قال : فنزلت هذه الآية ( وتعيها أذن واعية   ) 
ورواه ابن جرير  عن محمد بن خلف  ، عن بشر بن آدم  ، به ، ثم رواه ابن جرير  من طريق آخر عن داود الأعمى ، عن بريدة ، به . ولا يصح أيضا . 
				
						
						
