[ ص: 374 ] تفسير سورة الطارق وهي مكية . 
قال عبد الله ابن الإمام أحمد   : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن محمد   - قال : عبد الله  وسمعته أنا منه - حدثنا  مروان بن معاوية الفزاري  ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي  ، عن عبد الرحمن بن خالد بن أبي جبل العدواني  ، عن أبيه : أنه أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مشرق ثقيف  وهو قائم على قوس - أو : عصا - حين أتاهم يبتغي عندهم النصر ، فسمعته يقول : " والسماء والطارق   " حتى ختمها - قال : فوعيتها في الجاهلية وأنا مشرك ، ثم قرأتها في الإسلام - قال : فدعتني ثقيف  فقالوا : ماذا سمعت من هذا الرجل ؟ فقرأتها عليهم ، فقال من معهم من قريش : نحن أعلم بصاحبنا ، لو كنا نعلم ما يقول حقا لاتبعناه  . 
وقال  النسائي   : حدثنا عمرو بن منصور  ، حدثنا أبو نعيم  ، عن مسعر ،  عن  محارب بن دثار  ، عن جابر  قال : صلى معاذ  المغرب ، فقرأ البقرة والنساء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفتان يا معاذ ؟ ما كان يكفيك أن تقرأ بالسماء والطارق ، والشمس وضحاها  ، ونحو هذا ؟ "  . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والسماء والطارق    ( 1 ) وما أدراك ما الطارق   ( 2 ) النجم الثاقب   ( 3 ) إن كل نفس لما عليها حافظ   ( 4 ) فلينظر الإنسان مم خلق   ( 5 ) خلق من ماء دافق   ( 6 ) يخرج من بين الصلب والترائب   ( 7 ) إنه على رجعه لقادر   ( 8 ) يوم تبلى السرائر   ( 9 ) فما له من قوة ولا ناصر   ( 10 ) ) 
يقسم تعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ; ولهذا قال : ( والسماء والطارق   ) ثم قال ( وما أدراك ما الطارق   ) ثم فسره بقوله : ( النجم الثاقب   ) 
قال قتادة  وغيره : إنما سمي النجم طارقا ; لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار  . ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح : نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا أي : يأتيهم فجأة بالليل . وفي  [ ص: 375 ] الحديث الآخر المشتمل على الدعاء :  " إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن "  . 
وقوله : ( الثاقب   ) قال ابن عباس   : المضيء  . وقال  السدي   : يثقب الشياطين إذا أرسل عليها . وقال عكرمة   : هو مضيء ومحرق للشيطان . 
وقوله : ( إن كل نفس لما عليها حافظ   ) أي : كل نفس عليها من الله حافظ يحرسها من الآفات ، كما قال تعالى : ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله   ) الآية [ الرعد : 11 ] . 
وقوله : ( فلينظر الإنسان مم خلق    ) تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه ، وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد ; لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى ، كما قال : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه   ) [ الروم : 27 ] . 
وقوله : ( خلق من ماء دافق   ) يعني : المني ; يخرج دفقا من الرجل ومن المرأة ، فيتولد منهما الولد بإذن الله ، - عز وجل - ; ولهذا قال : ( يخرج من بين الصلب والترائب   ) يعني : صلب الرجل وترائب المرأة ، وهو صدرها . 
قال شبيب بن بشر  ، عن عكرمة ،  عن ابن عباس   : ( يخرج من بين الصلب والترائب   ) صلب الرجل وترائب المرأة ، أصفر رقيق ، لا يكون الولد إلا منهما  . وكذا قال سعيد بن جبير  ، وعكرمة ،  وقتادة   والسدي ،  وغيرهم . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا أبو سعيد الأشج  ، حدثنا أبو أسامة  ، عن مسعر   : سمعت الحكم  ذكر عن ابن عباس   : ( يخرج من بين الصلب والترائب   ) قال : هذه الترائب . ووضع يده على صدره  . 
وقال الضحاك  وعطية ،  عن ابن عباس   : تريبة المرأة موضع القلادة . وكذا قال عكرمة ،   وسعيد بن جبير   . وقال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس   : الترائب : بين ثدييها . 
وعن مجاهد   : الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر  . وعنه أيضا : الترائب أسفل من التراقي . وقال  سفيان الثوري   : فوق الثديين . وعن سعيد بن جبير   : الترائب أربعة أضلاع من هذا الجانب الأسفل  . 
وعن الضحاك   : الترائب بين الثديين والرجلين والعينين  . 
وقال الليث بن سعد  عن معمر بن أبي حبيبة المدني   : أنه بلغه في قول الله - عز وجل - : ( يخرج من بين الصلب والترائب   ) قال : هو عصارة القلب ، من هناك يكون الولد  . 
وعن قتادة   : ( يخرج من بين الصلب والترائب   ) من بين صلبه ونحره  . 
وقوله : ( إنه على رجعه لقادر   ) فيه قولان : 
أحدهما : على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك . قاله مجاهد ،   [ ص: 376 ] وعكرمة ،  وغيرهما . 
والقول الثاني : إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق ، أي : إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر ; لأن من قدر على البدء قدر على الإعادة . 
وقد ذكر الله ، - عز وجل - هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع ، وهذا القول قال به الضحاك ،  واختاره ابن جرير  ، ولهذا قال : ( يوم تبلى السرائر   ) أي : يوم القيامة تبلى فيه السرائر ، أي : تظهر وتبدو ، ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا . وقد ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :  " يرفع لكل غادر لواء عند استه يقال : هذه غدرة فلان بن فلان "  . 
وقوله : ( فما له   ) أي : الإنسان يوم القيامة ( من قوة   ) أي : في نفسه ( ولا ناصر   ) أي : من خارج منه ، أي : لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ، ولا يستطيع له أحد ذلك . 
				
						
						
