بسم الله الرحمن الرحيم 
( سبح اسم ربك الأعلى    ( 1 ) الذي خلق فسوى   ( 2 ) والذي قدر فهدى   ( 3 ) والذي أخرج المرعى   ( 4 ) فجعله غثاء أحوى   ( 5 ) سنقرئك فلا تنسى   ( 6 ) إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى   ( 7 ) ونيسرك لليسرى   ( 8 ) فذكر إن نفعت الذكرى   ( 9 ) سيذكر من يخشى   ( 10 ) ويتجنبها الأشقى   ( 11 ) الذي يصلى النار الكبرى   ( 12 ) ثم لا يموت فيها ولا يحيا   ( 13 ) ) 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا أبو عبد الرحمن  ، حدثنا موسى - يعني ابن أيوب الغافقي -  حدثنا عمي إياس بن عامر  ، سمعت عقبة بن عامر الجهني  لما نزلت : ( فسبح باسم ربك العظيم   ) [ الواقعة : 74 ، 96 ] قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اجعلوها في ركوعكم " . فلما نزلت : ( سبح اسم ربك الأعلى   ) قال : " اجعلوها في سجودكم "  . 
ورواه أبو داود   وابن ماجه  ، من حديث ابن المبارك  ، عن موسى بن أيوب  ، به . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  وكيع ،  حدثنا إسرائيل ،  عن أبي إسحاق  ، عن مسلم البطين  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ : ( سبح اسم ربك الأعلى   ) قال : " سبحان ربي الأعلى   "  . 
وهكذا رواه أبو داود  عن  زهير بن حرب  ، عن  وكيع ،  به وقال : " خولف فيه  وكيع ،   [ ص: 379 ] رواه أبو وكيع  وشعبة ،  عن أبي إسحاق  ، عن سعيد ،  عن ابن عباس  ، موقوفا " . 
وقال الثوري ،  عن  السدي ،  عن عبد خير  قال : سمعت عليا  قرأ ( سبح اسم ربك الأعلى   ) فقال : سبحان ربي الأعلى  . 
وقال ابن جرير   : حدثنا ابن حميد  ، حدثنا حكام عن عنبسة  ، عن  أبي إسحاق الهمداني   : أن ابن عباس  كان إذا قرأ : ( سبح اسم ربك الأعلى   ) يقول : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ : ( لا أقسم بيوم القيامة   ) [ القيامة : 1 ] فأتى على آخرها : ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى   ) [ القيامة : 40 ] يقول : سبحانك وبلى  . 
وقال قتادة   : ( سبح اسم ربك الأعلى   ) ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأها ، قال : " سبحان ربي الأعلى "  . 
وقوله : ( الذي خلق فسوى   ) أي : خلق الخليقة وسوى كل مخلوق في أحسن الهيئات . 
وقوله : ( والذي قدر فهدى   ) قال مجاهد   : هدى الإنسان للشقاوة والسعادة ، وهدى الأنعام لمراتعها  . 
وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن موسى  أنه قال لفرعون : ( ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى   ) [ طه : 5 ] أي : قدر قدرا ، وهدى الخلائق إليه ، كما ثبت في صحيح مسلم ،  عن عبد الله بن عمرو   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله قدر مقادير الخلائق  قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء "  . 
وقوله : ( والذي أخرج المرعى   ) أي : من جميع صنوف النباتات والزروع ،  ( فجعله غثاء أحوى   ) قال ابن عباس   : هشيما متغيرا  . وعن مجاهد ،  وقتادة ،  وابن زيد  ، نحوه . 
قال ابن جرير   : وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم ، وأن معنى الكلام : والذي أخرج المرعى أحوى ، أي : أخضر إلى السواد ، فجعله غثاء بعد ذلك . ثم قال ابن جرير   : وهذا وإن كان محتملا إلا أنه غير صواب ; لمخالفته أقوال أهل التأويل . 
وقوله : ( سنقرئك   ) أي : يا محمد ( فلا تنسى   ) وهذا إخبار من الله ، - عز وجل - ووعد منه له ، بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها ، ( إلا ما شاء الله   ) وهذا اختيار ابن جرير   . 
وقال قتادة   : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله  . 
وقيل : المراد بقوله : ( فلا تنسى   ) طلب ، وجعلوا معنى الاستثناء على هذا ما يقع من  [ ص: 380 ] النسخ ، أي : لا تنسى ما نقرئك إلا ما شاء الله رفعه ; فلا عليك أن تتركه . 
وقوله : ( إنه يعلم الجهر وما يخفى   ) أي : يعلم ما يجهر به العباد وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء . 
وقوله تعالى : ( ونيسرك لليسرى   ) أي : نسهل عليك أفعال الخير وأقواله ، ونشرع لك شرعا سهلا سمحا مستقيما عدلا لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر . 
وقوله : ( فذكر إن نفعت الذكرى   ) أي : ذكر حيث تنفع التذكرة . ومن هاهنا يؤخذ الأدب في نشر العلم ، فلا يضعه عند غير أهله ، كما قال أمير المؤمنين علي ،  رضي الله عنه : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم  . وقال : حدث الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟! 
وقوله : ( سيذكر من يخشى   ) أي : سيتعظ بما تبلغه - يا محمد   - من قلبه يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه ، ( ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا   ) أي : لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه ، بل هي مضرة عليه ; لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب ، وأنواع النكال . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا ابن أبي عدي  ، عن سليمان - يعني التيمي -  عن  أبي نضرة  ، عن أبي سعيد  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " أما أهل النار  الذين هم أهلها لا يموتون ولا يحيون ، وأما أناس يريد الله بهم الرحمة فيميتهم في النار فيدخل عليهم الشفعاء فيأخذ الرجل أنصاره فينبتهم - أو قال : ينبتون - في نهر الحياء - أو قال : الحياة - أو قال : الحيوان - أو قال : نهر الجنة فينبتون - نبات الحبة في حميل السيل "  . قال : وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  " أما ترون الشجرة تكون خضراء ، ثم تكون صفراء أو قال : تكون صفراء ثم تكون خضراء ؟ "  . قال : فقال بعضهم : كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بالبادية   . 
وقال أحمد  أيضا : حدثنا إسماعيل ،  حدثنا سعيد بن يزيد  ، عن  أبي نضرة  ، عن  أبي سعيد الخدري  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " أما أهل النار الذين هم أهلها ، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن أناس - أو كما قال - تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال : بخطاياهم - فيميتهم إماتة ، حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة ، فجيء بهم ضبائر ضبائر ، فنبتوا على أنهار الجنة ، فيقال : يا أهل الجنة ، اقبضوا عليهم . فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل "  . قال : فقال رجل من القوم حينئذ : كأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بالبادية   . 
ورواه مسلم  في حديث بشر بن المفضل  وشعبة ،  كلاهما عن أبي مسلمة سعيد بن زيد  ، به  [ ص: 381 ] مثله ورواه أحمد  أيضا عن يزيد ،  عن سعيد بن إياس الجريري  ، عن  أبي نضرة  ، عن أبي سعيد  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :  " إن أهل النار الذين لا يريد الله إخراجهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، وإن أهل النار الذين يريد الله إخراجهم يميتهم فيها إماتة ، حتى يصيروا فحما ، ثم يخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة ، أو : يرش عليهم من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل "  . 
وقد قال الله إخبارا عن أهل النار : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون   ) [ الزخرف : 77 ] وقال تعالى : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها   ) [ فاطر : 36 ] إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى . 
				
						
						
