( فلا اقتحم العقبة ( 11 ) وما أدراك ما العقبة ( 12 ) فك رقبة ( 13 ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة ( 14 ) يتيما ذا مقربة ( 15 ) أو مسكينا ذا متربة ( 16 ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ( 17 ) أولئك أصحاب الميمنة ( 18 ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ( 19 ) عليهم نار مؤصدة ( 20 ) )
قال ابن جرير : حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية ، عن ابن عمر في قوله : ( فلا اقتحم العقبة ) قال : جبل في جهنم .
وقال كعب الأحبار : ( فلا اقتحم العقبة ) هو سبعون درجة في جهنم . وقال : ( الحسن البصري فلا اقتحم العقبة ) قال : عقبة في جهنم . وقال قتادة : إنها قحمة شديدة فاقتحموها بطاعة الله - عز وجل - . وقال قتادة ( وما أدراك ما العقبة ) ثم أخبر عن اقتحامها . فقال : ( فك رقبة أو إطعام )
[ ص: 406 ]
وقال ابن زيد : ( اقتحم العقبة ) أي : أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير . ثم بينها فقال : ( وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام )
قرئ : ( فك رقبة ) بالإضافة ، وقرئ على أنه فعل ، وفيه ضمير الفاعل والرقبة مفعوله وكلتا القراءتين معناهما متقارب .
قال : حدثنا الإمام أحمد علي بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله - يعني ابن سعيد بن أبي هند - عن إسماعيل بن أبي حكيم - مولى آل الزبير - عن سعيد بن مرجانة : أنه سمع يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبا هريرة ، حتى إنه ليعتق باليد اليد ، وبالرجل الرجل ، وبالفرج الفرج " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار . فقال " علي بن الحسين : أنت سمعت هذا من ؟ فقال أبي هريرة سعيد : نعم . فقال علي بن الحسين لغلام له - أفره غلمانه - : ادع مطرفا . فلما قام بين يديه قال : اذهب فأنت حر لوجه الله .
وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي من طرق ، عن والنسائي ، سعيد بن مرجانة ، به وعند مسلم أن هذا الغلام الذي أعتقه كان قد أعطي فيه عشرة آلاف درهم . علي بن الحسين زين العابدين
وقال قتادة ، عن ، عن سالم بن أبي الجعد معدان بن أبي طلحة ، عن أبي نجيح قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . " أيما مسلم أعتق رجلا مسلما ، فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة ، فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظما من عظامها من النار "
رواه ابن جرير هكذا وأبو نجيح هذا هو ، رضي الله عنه . عمرو بن عبسة السلمي
قال : حدثنا الإمام أحمد حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن كثير بن مرة ، عن أنه حدثهم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عمرو بن عبسة ، كانت فديته من جهنم . ومن شاب شيبة في الإسلام ، كانت له نورا يوم القيامة " أعتق نفسا مسلمة . " من بنى مسجدا ليذكر الله فيه ، بنى الله له بيتا في الجنة . ومن
طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا ، حدثنا الحكم بن نافع حريز ; عن : أن سليم بن عامر شرحبيل بن السمط قال حدثنا حديثا ليس فيه تزيد ولا نسيان . قال لعمرو بن عبسة عمرو : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : . " من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار ، عضوا بعضو . ومن [ ص: 407 ] شاب شيبة في سبيل الله ، كانت له نورا يوم القيامة ، ومن رمى بسهم فبلغ فأصاب أو أخطأ ، كان كمعتق رقبة من بني إسماعيل "
وروى أبو داود ، بعضه . والنسائي
طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا ، حدثنا هاشم بن القاسم الفرج ، حدثنا لقمان ، عن أبي أمامة ، عن قال عمرو بن عبسة السلمي قلت له : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه انتقاص ولا وهم . قال : سمعته يقول : . " من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث ، أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة ، ومن رمى بسهم في سبيل الله ، بلغ به العدو ، أصاب أو أخطأ ، كان له عتق رقبة . ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ، ومن أنفق زوجين في سبيل الله ، فإن للجنة ثمانية أبواب ، يدخله الله من أي باب شاء منها "
وهذه أسانيد جيدة قوية ، ولله الحمد [ والمنة ] .
حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا عيسى بن محمد الرملي ، حدثنا ضمرة ، عن ، عن ابن أبي عبلة الغريف بن الديلمي قال : واثلة بن الأسقع فقلنا له : حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان . فغضب وقال : إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته ، فيزيد وينقص . قلنا : إنما أردنا حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صاحب لنا قد أوجب - يعني النار - بالقتل ، فقال : " أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار " . أتينا
وكذا رواه من حديث النسائي ، عن إبراهيم بن أبي عبلة الغريف بن عياش الديلمي ، عن واثلة ، به .
حديث آخر : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن قيس الجذامي ، عن عقبة بن عامر الجهني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . " من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار "
وحدثنا عبد الوهاب الخفاف ، عن سعيد ، عن قتادة قال : ذكر أن قيسا الجذامي حدث عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . " من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار "
تفرد به أحمد من هذا الوجه .
حديث آخر : قال : حدثنا الإمام أحمد يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا حدثنا عيسى بن عبد [ ص: 408 ] الرحمن البجلي - من بني بجيلة - من بني سليم - عن طلحة - قال أبو أحمد : حدثنا طلحة بن مصرف - عن عبد الرحمن بن عوسجة ، قال : جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، علمني عملا يدخلني الجنة . فقال : " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة . أعتق النسمة ، وفك الرقبة " . فقال : يا رسول الله ، أوليستا بواحدة ؟ قال : " لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في عتقها . والمنحة الوكوف ، والفيء على ذي الرحم الظالم ; فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير " البراء بن عازب . عن
أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) قال وقوله : ( ابن عباس : ذي مجاعة . وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وغير واحد . والسغب : هو الجوع .
وقال : في يوم الطعام فيه عزيز . إبراهيم النخعي
وقال قتادة : في يوم يشتهى فيه الطعام .
وقوله : ( يتيما ) أي : أطعم في مثل هذا اليوم يتيما ، ( ذا مقربة ) أي : ذا قرابة منه . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، . كما جاء في الحديث الذي رواه والسدي : الإمام أحمد
حدثنا يزيد ، أخبرنا هشام ، عن ، عن حفصة بنت سيرين سليمان بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ، وعلى ذي الرحم اثنتان ، صدقة وصلة " الصدقة على المسكين صدقة . "
وقد رواه الترمذي وهذا إسناد صحيح . والنسائي
وقوله : ( أو مسكينا ذا متربة ) أي : فقيرا مدقعا لاصقا بالتراب ، وهو الدقعاء أيضا .
قال ابن عباس : ( ذا متربة ) هو المطروح في الطريق الذي لا بيت له ، ولا شيء يقيه من التراب - وفي رواية : هو الذي لصق بالدقعاء من الفقر والحاجة ، ليس له شيء - وفي رواية عنه : هو البعيد التربة .
قال ابن أبي حاتم : يعني الغريب عن وطنه .
وقال عكرمة : هو الفقير المديون المحتاج .
وقال سعيد بن جبير : هو الذي لا أحد له .
وقال ابن عباس ، وسعيد ، وقتادة ، : هو ذو العيال . ومقاتل بن حيان
وكل هذه قريبة المعنى .
وقوله : ( ثم كان من الذين آمنوا ) أي : ثم هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة [ ص: 409 ] مؤمن بقلبه ، محتسب ثواب ذلك عند الله - عز وجل - . كما قال تعالى : ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) [ الإسراء : 19 ] وقال ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) الآية [ النحل : 97 ] .
وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) أي : كان من المؤمنين العاملين صالحا ، المتواصين بالصبر على أذى الناس ، وعلى الرحمة بهم . كما جاء في الحديث : وقوله : ( وفي الحديث الآخر : " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " . " لا يرحم الله من لا يرحم الناس "
وقال أبو داود : حدثنا [ أبو بكر ] بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو - يرويه - قال : . " من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا ، فليس منا "
وقوله : ( أولئك أصحاب الميمنة ) أي : المتصفون بهذه الصفات من أصحاب اليمين .
ثم قال : ( والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ) أي : أصحاب الشمال ، ( عليهم نار مؤصدة ) أي : مطبقة عليهم ، فلا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها .
قال ، أبو هريرة ، وابن عباس وعكرمة ، ، وسعيد بن جبير ومجاهد ، ، ومحمد بن كعب القرظي ، وعطية العوفي والحسن ، وقتادة ، : ( والسدي مؤصدة ) أي : مطبقة - قال ابن عباس : مغلقة الأبواب . وقال مجاهد : أصد الباب بلغة قريش : أي أغلقه .
وسيأتي في ذلك حديث في سورة : ( ويل لكل همزة لمزة )
وقال الضحاك : ( مؤصدة ) حيط لا باب له .
وقال قتادة : ( مؤصدة ) مطبقة فلا ضوء فيها ولا فرج ، ولا خروج منها آخر الأبد .
وقال أبو عمران الجوني : إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار وكل شيطان وكل من كان يخاف الناس في الدنيا شره ، فأوثقوا في الحديد ، ثم أمر بهم إلى جهنم ، ثم أوصدوها عليهم ، أي : أطبقوها - قال : فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا ، ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبدا ، ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبدا ، . ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبدا . رواه ابن أبي حاتم .
آخر تفسير سورة " البلد " ولله الحمد والمنة