( إن علينا للهدى    ( 12 ) وإن لنا للآخرة والأولى   ( 13 ) فأنذرتكم نارا تلظى   ( 14 ) ) 
( لا يصلاها إلا الأشقى   ( 15 ) الذي كذب وتولى   ( 16 ) وسيجنبها الأتقى   ( 17 ) الذي يؤتي ماله يتزكى   ( 18 ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى   ( 19 ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى   ( 20 ) ولسوف يرضى   ( 21 ) ) 
قال قتادة   : ( إن علينا للهدى   ) أي : نبين الحلال والحرام  . وقال غيره : من سلك طريق الهدى وصل إلى الله . وجعله كقوله تعالى : ( وعلى الله قصد السبيل   ) [ النحل : 9 ] . حكاه ابن جرير   . 
وقوله : ( وإن لنا للآخرة والأولى   ) أي : الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما . 
وقوله : ( فأنذرتكم نارا تلظى   ) قال مجاهد   : أي توهج  . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن جعفر  ، حدثنا شعبة ،  عن  سماك بن حرب  ، سمعت النعمان بن بشير  يخطب يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول :  " أنذركم النار [ أنذرتكم النار ، أنذرتكم النار ] حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا . قال : حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه  . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن جعفر  ، حدثنا شعبة ،  حدثني أبو إسحاق   : سمعت النعمان بن بشير  يخطب ويقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :  " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة  رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه "  . 
رواه  البخاري  
وقال مسلم   : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة  ، حدثنا أبو أسامة  ، عن الأعمش ،  عن أبي إسحاق  ، عن النعمان بن بشير  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا ، وإنه لأهونهم عذابا "  . 
وقوله : ( لا يصلاها إلا الأشقى   ) أي : لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى . ثم فسره فقال : ( الذي كذب   ) أي : بقلبه ، ( وتولى ) أي : عن العمل بجوارحه وأركانه . 
 [ ص: 422 ] 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا حسن بن موسى  ، حدثنا ابن لهيعة  ، حدثنا  عبد ربه بن سعيد  ، عن المقبري ،  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " لا يدخل النار إلا شقي " . قيل : ومن الشقي ؟ قال : " الذي لا يعمل بطاعة ، ولا يترك لله معصية "  . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا يونس  وسريج  قالا حدثنا فليح ،  عن هلال بن علي  ، عن  عطاء بن يسار  ، عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  " كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى " . قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى "  . 
ورواه  البخاري  عن محمد بن سنان  ، عن فليح ،  به 
وقوله : ( وسيجنبها الأتقى   ) أي : وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى . 
ثم فسره بقوله : ( الذي يؤتي ماله يتزكى   ) أي : يصرف ماله في طاعة ربه ; ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا . 
( وما لأحد عنده من نعمة تجزى   ) أي : ليس بذله حاله في مكافأة من أسدى إليه معروفا ، فهو يعطي في مقابلة ذلك ، وإنما دفعه ذلك ( ابتغاء وجه ربه الأعلى   ) أي : طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ، قال الله تعالى : ( ولسوف يرضى   ) أي : ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات . 
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في  أبي بكر الصديق  ، رضي الله عنه ، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك . ولا شك أنه داخل فيها ، وأولى الأمة بعمومها ، فإن لفظها لفظ العموم ، وهو قوله تعالى : ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى   ) ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة ; فإنه كان صديقا تقيا كريما جوادا بذالا لأمواله في طاعة مولاه ، ونصرة رسول الله ، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ، ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ; ولهذا قال له عروة بن مسعود   - وهو سيد ثقيف ،  يوم صلح الحديبية - : أما والله لولا يد لك كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك . وكان الصديق  قد أغلظ له في المقالة ، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل ، فكيف بمن عداهم ؟ ولهذا قال : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى   ) وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :  " من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد الله ، هذا خير " ، فقال أبو بكر    : يا رسول الله ، ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم "  . 
آخر تفسير سورة " الليل " ولله الحمد والمنة 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					