تفسير سورة والتين والزيتون  وهي مكية .  [ ص: 434 ] 
قال مالك  وشعبة  ، عن عدي بن ثابت  ، عن  البراء بن عازب   : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في سفر في إحدى الركعتين بالتين والزيتون ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه  . أخرجه الجماعة في كتبهم . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( والتين والزيتون    ( 1 ) وطور سينين   ( 2 ) وهذا البلد الأمين   ( 3 ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم   ( 4 ) ثم رددناه أسفل سافلين   ( 5 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون   ( 6 ) فما يكذبك بعد بالدين   ( 7 ) أليس الله بأحكم الحاكمين   ( 8 ) ) 
اختلف المفسرون هاهنا على أقوال كثيرة فقيل : المراد بالتين مسجد دمشق . وقيل : هي نفسها . وقيل : الجبل الذي عندها . 
وقال القرطبي   : هو مسجد أصحاب الكهف   . 
وروى العوفي  ، عن ابن عباس   : أنه مسجد نوح  الذي على الجودي   . 
وقال مجاهد   : هو تينكم هذا . 
 ( والزيتون   ) قال كعب الأحبار  وقتادة  وابن زيد  ، وغيرهم : هو مسجد بيت المقدس   . 
وقال مجاهد  وعكرمة   : هو هذا الزيتون الذي تعصرون . 
 ( وطور سينين   ) قال كعب الأحبار  وغير واحد : هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى   . 
( وهذا البلد الأمين   ) يعني : مكة   . قاله ابن عباس  ومجاهد  وعكرمة  والحسن   وإبراهيم النخعي  وابن زيد   وكعب الأحبار   . ولا خلاف في ذلك . 
وقال بعض الأئمة : هذه محال ثلاثة ، بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار ، فالأول : محلة التين والزيتون ، وهي بيت المقدس  التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم   . والثاني : طور سينين ، وهو طور سيناء  الذي كلم الله عليه موسى بن عمران   . والثالث : مكة  وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا ، وهو الذي أرسل فيه محمدا  صلى الله عليه وسلم . 
 [ ص: 435 ] 
قالوا : وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة : جاء الله من طور سيناء   - يعني الذي كلم الله عليه موسى [ بن عمران ]   - وأشرق من ساعير - يعني بيت المقدس  الذي بعث الله منه عيسى   - واستعلن من جبال فاران   - يعني : جبال مكة  التي أرسل الله منها محمدا   - فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان ، ولهذا أقسم بالأشرف ، ثم الأشرف منه ، ثم بالأشرف منهما . 
وقوله : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم   )  هذا هو المقسم عليه ، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل ، منتصب القامة ، سوي الأعضاء حسنها . 
( ثم رددناه أسفل سافلين   ) أي : إلى النار . قاله مجاهد   وأبو العالية  والحسن  وابن زيد  ، وغيرهم . ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل ; ولهذا قال : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات   ) 
وقال بعضهم : ( ثم رددناه أسفل سافلين   ) أي : إلى أرذل العمر . روي هذا عن ابن عباس  وعكرمة   - حتى قال عكرمة   : من جمع القرآن لم يرد إلى أرذل العمر  . واختار ذلك ابن جرير   . ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك ; لأن الهرم قد يصيب بعضهم ، وإنما المراد ما ذكرناه ، كقوله : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات   ) [ العصر : 1 - 3 ] . 
وقوله : ( فلهم أجر غير ممنون   ) أي : غير مقطوع ، كما تقدم . 
ثم قال : ( فما يكذبك   ) يعني : يا ابن آدم ( بعد بالدين   ) ؟ أي : بالجزاء في المعاد ، وقد علمت البدأة ، وعرفت أن من قدر على البدأة ، فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى ، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا ؟ 
قال ابن أبي حاتم   : حدثنا أحمد بن سنان  ، حدثنا عبد الرحمن  ، عن سفيان  عن منصور  قال : قلت لمجاهد   : ( فما يكذبك بعد بالدين   ) عنى به النبي صلى الله عليه وسلم قال : معاذ الله! عنى به الإنسان  . وهكذا قال عكرمة  وغيره . 
وقوله : ( أليس الله بأحكم الحاكمين   ) أي : أما هو أحكم الحاكمين ، الذي لا يجور ولا يظلم أحدا ، ومن عدله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه . وقد قدمنا في حديث  أبي هريرة  مرفوعا :  " فإذا قرأ أحدكم ( والتين والزيتون   ) فأتى على آخرها : ( أليس الله بأحكم الحاكمين   ) فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين "  . 
آخر تفسير [ سورة ] " والتين والزيتون " ولله الحمد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					