[ ص: 436 ] تفسير سورة اقرأ وهي أول شيء نزل من القرآن . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( اقرأ باسم ربك الذي خلق    ( 1 ) خلق الإنسان من علق   ( 2 ) اقرأ وربك الأكرم   ( 3 ) الذي علم بالقلم   ( 4 ) علم الإنسان ما لم يعلم   ( 5 ) ) 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، حدثنا معمر  ، عن الزهري  ، عن عروة  عن عائشة  قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو : التعبد - الليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة  فتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء  ، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ " . قال : " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق   ) حتى بلغ : ( ما لم يعلم   ) قال : فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة  فقال : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الروع . فقال : يا خديجة  ، ما لي : فأخبرها الخبر وقال : " قد خشيت علي " . فقالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ; إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة  حتى أتت به ورقة بن نوفل  بن أسد بن عبد العزى ابن قصي   - وهو ابن عم خديجة  أخو أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي - فقالت خديجة   : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة   : ابن أخي ، ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ، فقال ورقة   : هذا الناموس الذي أنزل على موسى  ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أومخرجي هم ؟ " . فقالورقة   : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . [ ثم ] لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه ، تبدى له  [ ص: 437 ] جبريل  فقال : يا محمد  إنك رسول الله حقا . فيسكن بذلك جأشه ، وتقر نفسه فيرجع . فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل  فقال له مثل ذلك  . 
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري  وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا  للبخاري  مستقصى ، فمن أراده فهو هناك محرر ، ولله الحمد والمنة . 
فأول شيء [ نزل ] من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات وهن أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم . وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة ، وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم ، فشرفه وكرمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم  على الملائكة والعلم تارة يكون في الأذهان ، وتارة يكون في اللسان ، وتارة يكون في الكتابة بالبنان ، ذهني ولفظي ورسمي ، والرسمي يستلزمهما من غير عكس ، فلهذا قال : ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم   ) وفي الأثر : قيدوا العلم بالكتابة . وفيه أيضا : " من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يكن [ يعلم ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					