بسم الله الرحمن الرحيم 
( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة    ( 1 ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة   ( 2 ) فيها كتب قيمة   ( 3 ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة   ( 4 ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة   ( 5 ) ) 
أما أهل الكتاب فهم : اليهود  والنصارى  والمشركون ؛ عبدة الأوثان والنيران ، من العرب ومن العجم . وقال مجاهد   : لم يكونوا ( منفكين   ) يعني : منتهين حتى يتبين لهم الحق  . وكذا قال قتادة   . 
( حتى تأتيهم البينة   ) أي : هذا القرآن ; ولهذا قال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة   ) ثم فسر البينة بقوله : ( رسول من الله يتلو صحفا مطهرة   ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، وما يتلوه من القرآن العظيم ، الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى ، في صحف مطهرة كقوله : ( في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة   ) [ عبس : 13 - 16 ] . 
وقوله : ( فيها كتب قيمة   ) قال ابن جرير   : أي في الصحف المطهرة  كتب من الله ، قيمة : عادلة مستقيمة ، ليس فيها خطأ ; لأنها من عند الله عز وجل . 
قال قتادة   : ( رسول من الله يتلو صحفا مطهرة   ) يذكر القرآن بأحسن الذكر ، ويثني عليه بأحسن الثناء  . 
وقال ابن زيد   : ( فيها كتب قيمة   ) مستقيمة معتدلة  . 
وقوله : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة    ) كقوله :  [ ص: 457 ]  ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم   ) [ آل عمران : 105 ] يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا ، بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم ، واختلفوا اختلافا كثيرا ، كما جاء في الحديث المروي من طرق :  " إن اليهود  اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ، وإن النصارى  اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " . قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي "  . 
وقوله : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين   ) كقوله ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون   ) [ الأنبياء : 25 ] ; ولهذا قال : حنفاء ، أي : متحنفين عن الشرك إلى التوحيد . كقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت   ) [ النحل : 36 ] وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة " الأنعام " بما أغنى عن إعادته هاهنا . 
( ويقيموا الصلاة   ) وهي أشرف عبادات البدن ( ويؤتوا الزكاة   ) وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج . ( وذلك دين القيمة   ) أي : الملة القائمة العادلة ، أو : الأمة المستقيمة المعتدلة . 
وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري   والشافعي  بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان   ; ولهذا قال : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة   ) 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					