[ ص: 509 ] تفسير سورة إذا جاء نصر الله والفتح  وهي مدنية   . 
قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن ، و " إذا زلزلت " تعدل ربع القرآن . 
وقال  النسائي   : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم  ، أخبرنا جعفر  ، عن  أبي العميس   ( ح ) وأخبرنا محمد بن سليمان  ، حدثنا  جعفر بن عون  ، حدثنا أبو العميس  ، عن عبد المجيد بن سهيل  عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة  قال : قال لي ابن عباس   : يا ابن عتبة  ، أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ؟  قلت : نعم ، " إذا جاء نصر الله والفتح   " قال : صدقت 
وروى  الحافظ أبو بكر البزار   والبيهقي  من حديث موسى بن عبيدة الربذي  ، عن صدقة بن يسار  ، عن ابن عمر  قال : أنزلت هذه السورة : " إذا جاء نصر الله والفتح   " على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق ، فعرف أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء فرحلت ، ثم قام فخطب الناس ، فذكر خطبته المشهورة 
وقال  الحافظ البيهقي   : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان  ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار  ، حدثنا الأسفاطي  ، حدثنا سعيد بن سليمان  ، حدثنا عباد بن العوام  ، عن هلال بن خباب  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : لما نزلت : " إذا جاء نصر الله والفتح   " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة  وقال : " إنه قد نعيت إلي نفسي " ، فبكت ثم ضحكت ، وقالت : أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ، ثم قال : " اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي " فضحكت 
وقد رواه  النسائي   - كما سيأتي - بدون ذكر فاطمة   . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( إذا جاء نصر الله والفتح    ( 1 ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا   ( 2 ) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا   ( 3 ) ) 
قال  البخاري   : حدثنا موسى بن إسماعيل  ، حدثنا أبو عوانة  ، عن أبي بشر  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : كان عمر  يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه  ، فقال :  [ ص: 510 ] لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر   : إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم ، فما رؤيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قول الله عز وجل : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا . وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس  ؟ فقلت : لا . فقال : ما تقول ؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له ، قال : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) فذلك علامة أجلك ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا   ) فقال  عمر بن الخطاب   : لا أعلم منها إلا ما تقول  . تفرد به  البخاري  
وروى ابن جرير  ، عن محمد بن حميد  ، عن مهران  ، عن الثوري  ، عن عاصم  ، عن أبي رزين  ، عن ابن عباس  ، فذكر مثل هذه القصة ، أو نحوها . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  محمد بن فضيل  ، حدثنا عطاء  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعيت إلي نفسي " . . بأنه مقبوض في تلك السنة  . تفرد به أحمد   . 
وروى العوفي  ، عن ابن عباس  ، مثله . وهكذا قال مجاهد   وأبو العالية  والضحاك  وغير واحد : إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه . 
وقال ابن جرير   : حدثني إسماعيل بن موسى  ، حدثنا الحسين بن عيسى الحنفي  ، عن معمر  ، عن الزهري  ، عن أبي حازم  ، عن ابن عباس  قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة  إذ قال : " الله أكبر ، الله أكبر! جاء نصر الله والفتح ، جاء أهل اليمن " . قيل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم  ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية " 
ثم رواه عن ابن عبد الأعلى  ، عن ابن ثور  ، عن معمر  ، عن عكرمة  مرسلا . 
وقال  الطبراني   : حدثنا زكريا بن يحيى  ، حدثنا أبو كامل الجحدري  ، حدثنا أبو عوانة  ، عن هلال بن خباب  ، عن عكرمة  عن ابن عباس  قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) حتى ختم السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نزلت ، قال : فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك :  " جاء الفتح ونصر الله ، وجاء أهل اليمن " . فقال رجل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان "  . 
 [ ص: 511 ] 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  وكيع  ، عن سفيان  ، عن عاصم  ، عن أبي رزين  ، عن ابن عباس  قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نعيت إليه نفسه ، فقيل : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) السورة كلها  . 
حدثنا  وكيع  ، عن سفيان  ، عن عاصم  ، عن أبي رزين   : أن عمر  سأل ابن عباس  عن هذه الآية : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) قال : لما نزلت نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه 
وقال  الطبراني   : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي  ، حدثنا أبي ، حدثنا  جعفر بن عون  ، عن  أبي العميس  ، عن أبي بكر بن أبي الجهم  ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة  ، عن ابن عباس  قال : آخر سورة نزلت من القرآن جميعا : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) . 
وقال  الإمام أحمد  أيضا : حدثنا محمد بن جعفر  ، حدثنا شعبة  ، عن عمرو بن مرة  ، عن  أبي البختري الطائي  ، عن  أبي سعيد الخدري  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لما نزلت هذه السورة : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها ، فقال : " الناس حيز ، وأنا وأصحابي حيز " . وقال : " لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية "  . فقال له مروان   : كذبت - وعنده رافع بن خديج   وزيد بن ثابت  ، قاعدان معه على السرير - فقال أبو سعيد   : لو شاء هذان لحدثاك ، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه ، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة . فرفع مروان  عليه الدرة ليضربه ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق . 
تفرد به أحمد  ، وهذا الذي أنكره مروان  على أبي سعيد  ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح :  " لا هجرة ، ولكن جهاد ونية ، ولكن إذا استنفرتم فانفروا   "  . أخرجه  البخاري  ومسلم  في صحيحيهما . 
فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر  رضي الله عنهم أجمعين ، من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه ، يعني نصلي ونستغفره - معنى مليح صحيح ، وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة  وقت الضحى ثماني ركعات ، فقال قائلون : هي صلاة الضحى   . وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها ، فكيف صلاها ذلك اليوم وقد كان مسافرا لم ينو الإقامة بمكة ؟  ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسعة عشر يوما يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش ، وكانوا نحوا من عشرة آلاف . قال هؤلاء : وإنما كانت صلاة الفتح ، قالوا : فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات .  [ ص: 512 ] وهكذا فعل  سعد بن أبي وقاص  يوم فتح المدائن  ، ثم قال بعضهم : يصليها كلها بتسليمة واحدة . والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين ، كما ورد في سنن أبي داود   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين . وأما ما فسر به ابن عباس  وعمر  رضي الله عنهما ، من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة ، واعلم أنك إذا فتحت مكة   - وهي قريتك التي أخرجتك - ودخل الناس في دين الله أفواجا ، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا ، فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا ، فالآخرة خير لك من الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك فترضى ، ولهذا قال : ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا   ) . 
قال  النسائي   : أخبرنا عمرو بن منصور  ، حدثنا محمد بن محبوب  ، حدثنا أبو عوانة  ، عن هلال بن خباب  ، عن عكرمة  عن ابن عباس  قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) إلى آخر السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت ، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك :  " جاء الفتح ، وجاء نصر الله ، وجاء أهل اليمن " . فقال رجل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، والفقه يمان "  . 
وقال  البخاري   : حدثنا  عثمان بن أبي شيبة  ، حدثنا جرير  ، عن منصور  ، عن أبي الضحى  ، عن مسروق  عن عائشة  قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي   " يتأول القرآن  . 
وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي  من حديث منصور  به . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن أبي عدي  ، عن داود  ، عن الشعبي  ، عن مسروق  قال : قالت عائشة   : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه " . وقال : " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره ، إنه كان توابا ، فقد رأيتها : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا   ) 
ورواه مسلم  من طريق  داود - وهو ابن أبي هند -  به . 
وقال ابن جرير   : حدثنا أبو السائب  ، حدثنا حفص  ، حدثنا عاصم  ، عن الشعبي  عن أم سلمة  قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ، ولا يذهب ولا يجيء ، إلا قال : " سبحان الله وبحمده   " . فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده ، لا تذهب ولا تجيء ، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت : سبحان الله وبحمده ؟ قال : " إني أمرت بها " ، فقال :  [ ص: 513 ]  ) إذا جاء نصر الله والفتح   ) إلى آخر السورة . 
غريب ، وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه في جزء مفرد ، فيكتب هاهنا . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  وكيع  ، عن إسرائيل  ، عن أبي إسحاق  ، عن أبي عبيدة  ، عن عبد الله  قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح   ) كان يكثر إذا قرأها - وركع - أن يقول : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " ثلاثا  . 
تفرد به أحمد   . ورواه ابن أبي حاتم  ، عن أبيه ، عن عمرو بن مرة  ، عن شعبة  ، عن أبي إسحاق  به . 
والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة  قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة  يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي . فلما فتح الله عليه مكة  دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا ، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، ولله الحمد والمنة . وقد روى  البخاري  في صحيحه عن عمرو بن سلمة  قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة  يقولون : دعوه وقومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي  . الحديث وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا : السيرة ، فمن أراد فليراجعه هناك ، ولله الحمد والمنة . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا معاوية بن عمرو  ، حدثنا أبو إسحاق  ، عن الأوزاعي  ، حدثني أبو عمار  ، حدثني جار  لجابر بن عبد الله  قال : قدمت من سفر فجاءني  جابر بن عبد الله  فسلم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا ، فجعل جابر  يبكي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا "  . 
[ آخر تفسير سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " ولله الحمد والمنة ] . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					