( فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ( 52 ) ) )
( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ( 53 ) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ( 54 ) )
يقول تعالى : ( فلما أحس عيسى ) أي : استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال قال : ( من أنصاري إلى الله ) قال مجاهد : أي من يتبعني إلى الله ؟ وقال وغيره : من أنصاري مع الله ؟ وقول سفيان الثوري مجاهد أقرب .
والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج ، قبل أن يهاجر : حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه ، وهاجر إليهم فآسوه ومنعوه من الأسود والأحمر . وهكذا " من رجل يؤويني على [ أن ] أبلغ كلام ربي ، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام [ ص: 46 ] ربي " عيسى ابن مريم ، انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه . ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم : ( قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون . ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) الحواريون ، قيل : كانوا قصارين وقيل : سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وقيل : صيادين . والصحيح أن الحواري الناصر ، كما ثبت في الصحيحين الزبير ، ثم ندبهم فانتدب الزبير [ ثم ندبهم فانتدب الزبير ] فقال : " إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب ، فانتدب
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حدثنا وكيع ، إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( فاكتبنا مع الشاهدين ) قال مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا إسناد جيد .
ثم قال تعالى مخبرا عن [ ملأ ] بني إسرائيل فيما هموا به من الفتك بعيسى ، عليه السلام ، وإرادته بالسوء والصلب ، حين تمالئوا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان ، وكان كافرا ، فأنهوا إليه أن هاهنا رجلا يضل الناس ويصدهم عن طاعة الملك ، ويفند الرعايا ، ويفرق بين الأب وابنه إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب ، وأنه ولد زانية حتى استثاروا غضب الملك ، فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به ، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به ، نجاه الله من بينهم ، ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء ، وألقى الله شبهه على رجل [ ممن ] كان عنده في المنزل ، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى ، عليه السلام ، فأخذوه وأهانوه وصلبوه ، ووضعوا على رأسه الشوك . وكان هذا من مكر الله بهم ، فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم ، وتركهم في ضلالهم يعمهون ، يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم ، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادا للحق ملازما لهم ، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد ، ولهذا قال تعالى : ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) .