( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله  ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون   ( 79 ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون   ( 80 ) ) 
قال محمد بن إسحاق   : حدثنا محمد بن أبي محمد  ، عن عكرمة  أو سعيد بن جبير  ، عن ابن  [ ص: 66 ] عباس  قال : قال أبو رافع القرظي  ، حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران ،  عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام : أتريد يا محمد  أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم ؟  فقال رجل من أهل نجران  نصراني يقال له الرئيس : أوذاك تريد منا يا محمد ،  وإليه تدعوننا ؟ أو كما قال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  " معاذ الله أن نعبد غير الله ، أو أن نأمر بعبادة غيره ، ما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرني " . أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة   ) [ الآية ] إلى قوله : ( بعد إذ أنتم مسلمون   ) . 
فقوله ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله   ) أي : ما ينبغي لبشر آتاه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس : اعبدوني من دون الله . أي : مع الله ، فإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل ، فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى ، ولهذا قال الحسن البصري : لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته . قال : وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضا - يعني أهل الكتاب - كانوا يتعبدون لأحبارهم ورهبانهم ، كما قال الله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [ والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ]   )  [ التوبة : 31 ] وفي المسند ، والترمذي - كما سيأتي - أن عدي بن حاتم قال : يا رسول الله ، ما عبدوهم . قال : " بلى ، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم "  . 
فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ ، بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين ، فإنما يأمرون بما أمر الله به وبلغتهم إياه رسله الكرام . إنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه وبلغتهم إياه رسله الكرام . فالرسل ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، هم السفراء بين الله وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرسالة وإبلاغ الأمانة ، فقاموا بذلك أتم قيام ، ونصحوا الخلق ، وبلغوهم الحق . 
وقوله : ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون   ) أي : ولكن يقول الرسول للناس : كونوا ربانيين . قال ابن عباس  وأبو رزين  وغير واحد ، أي : حكماء علماء حلماء . وقال الحسن  وغير واحد : فقهاء ، وكذا روي عن ابن عباس  ،  وسعيد بن جبير  ، وقتادة  ،  وعطاء الخراساني  ،  وعطية العوفي  ،  والربيع بن أنس   . وعن الحسن  أيضا : يعني أهل عبادة وأهل تقوى . 
وقال الضحاك  في قوله : ( بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون   ) حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيها : " تعلمون " أي : تفهمون معناه . وقرئ ( تعلمون   ) بالتشديد من التعليم ( وبما كنتم تدرسون   ) تحفظون ألفاظه . 
 [ ص: 67 ] ثم قال : ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا   ) أي : ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله ، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون   ) أي : لا يفعل ذلك ، لأن من دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر ، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون   ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت   ) الآية ، [ النحل : 36 ] وقال تعالى ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون   ) [ الزخرف : 45 ] وقال [ تعالى ] إخبارا عن الملائكة : ( ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين   ) [ الأنبياء : 29 ] . 
				
						
						
