قال : حدثنا البخاري عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا حيوة وغيره قالا حدثنا قال : قطع على أهل محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود المدينة بعث ، فاكتتبت فيه ، فلقيت فأخبرته ، فنهاني عن ذلك أشد النهي ، ثم قال : أخبرني عكرمة مولى ابن عباس ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين ، يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به ، فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب عنقه فيقتل ، فأنزل الله [ عز وجل ] ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) رواه الليث عن أبي الأسود .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي أبو أحمد - يعني الزبيري - حدثنا [ ص: 390 ] محمد بن شريك المكي ، حدثنا ، عن عمرو بن دينار عكرمة عن ابن عباس قال : كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم بفعل بعض قال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا ، فاستغفروا لهم ، فنزلت : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [ قالوا فيم كنتم ) إلى آخر ] الآية ، قال : فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية : لا عذر لهم . قال : فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة ، فنزلت هذه الآية : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله ) الآية [ البقرة : 8 ] .
وقال عكرمة : نزلت هذه الآية في شباب من قريش ، كانوا تكلموا بالإسلام بمكة ، منهم : علي بن أمية بن خلف ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن منبه بن الحجاج ، والحارث بن زمعة .
وقال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين ، تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فأصيبوا فيمن أصيب فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة ، وليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع ، وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) أي : بترك الهجرة ( قالوا فيم كنتم ) أي : لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة ؟ ( قالوا كنا مستضعفين في الأرض ) أي : لا نقدر على الخروج من البلد ، ولا الذهاب في الأرض ( قالوا ألم تكن أرض الله واسعة [ فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ] ) .
وقال أبو داود : حدثنا محمد بن داود بن سفيان ، حدثني ، أخبرنا يحيى بن حسان سليمان بن موسى أبو داود ، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ، حدثني خبيب بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن سمرة ، عن سمرة بن جندب : أما بعد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله "
وقال : لما أسر السدي العباس وعقيل ونوفل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : " افد نفسك وابن أخيك " قال : يا رسول الله ، ألم نصل قبلتك ، ونشهد شهادتك ؟ قال : " يا عباس ، إنكم خاصمتم فخصمتم " . ثم تلا عليه هذه الآية : ( ألم تكن أرض الله واسعة [ فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ] ) رواه ابن أبي حاتم .
وقوله : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) [ ص: 391 ] هذا عذر من الله تعالى لهؤلاء في ترك الهجرة ، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق ، ولهذا قال : ( لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) قال مجاهد وعكرمة ، : يعني طريقا . والسدي
وقوله تعالى : ( فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ) أي : يتجاوز عنهم بترك الهجرة ، وعسى من الله موجبة ( وكان الله عفوا غفورا ) .
قال : حدثنا البخاري أبو نعيم ، حدثنا شيبان ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال : " سمع الله لمن حمده " ثم قال قبل أن يسجد " اللهم نج أبي هريرة عياش بن أبي ربيعة ، اللهم نج سلمة بن هشام ، اللهم نج ، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على الوليد بن الوليد مضر ، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف " . عن
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو معمر المقري حدثنا عبد الوارث ، حدثنا علي بن زيد ، عن ، سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده بعدما سلم ، وهو مستقبل القبلة فقال : " اللهم خلص أبي هريرة ، الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام ، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا من أيدي الكفار " . عن
وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد عن عبد الله - أو إبراهيم بن عبد الله القرشي - ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دبر صلاة الظهر : " اللهم خلص أبي هريرة الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " . عن
ولهذا الحديث شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه كما تقدم .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا ابن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال : سمعت ابن عباس يقول : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان
وقال : أنبأنا البخاري أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ، عن ابن أبي مليكة ابن عباس : ( إلا المستضعفين ) قال : كانت أمي ممن عذر الله عز وجل .
وقوله : ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) هذا تحريض على [ ص: 392 ] الهجرة ، وترغيب في مفارقة المشركين ، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه ، و " المراغم " مصدر ، تقول العرب : راغم فلان قومه مراغما ومراغمة ، قال . نابغة بني جعدة
كطود يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهرب
وقال ابن عباس : " المراغم " : التحول من أرض إلى أرض . وكذا روي عن الضحاك والربيع بن أنس ، الثوري ، وقال مجاهد : ( مراغما كثيرا ) يعني : متزحزحا عما يكره . وقال سفيان بن عيينة : ( مراغما كثيرا ) يعني : بروجا .
والظاهر - والله أعلم - أنه التمنع الذي يتحصن به ، ويراغم به الأعداء .
قوله : ( وسعة ) يعني : الرزق . قاله غير واحد ، منهم : قتادة ، حيث قال في قوله : ( يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) إي ، والله ، من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى .
وقوله : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ) أي : ومن فقد حصل له من الله ثواب من هاجر ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن ، من طريق خرج من منزله بنية الهجرة ، فمات في أثناء الطريق ، يحيى بن سعيد الأنصاري عن ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر بن الخطاب . " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه "
وهذا عام في الهجرة وفي كل الأعمال . ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا . ثم أكمل بذلك العابد المائة ، ثم سأل عالما : هل له من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه ، فلما ارتحل من بلده مهاجرا إلى البلد الآخر ، أدركه الموت في أثناء الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال هؤلاء : إنه جاء تائبا . وقال هؤلاء : إنه لم يصل بعد . فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أقرب كان منها ، فأمر الله هذه أن تقرب من هذه ، وهذه أن تبعد فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة . وفي رواية : أنه لما جاءه [ ص: 393 ] الموت ناء بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها .
وقال : حدثنا الإمام أحمد ، حدثنا يزيد بن هارون محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن عتيك ، عن أبيه عبد الله بن عتيك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " . من خرج من بيته مهاجرا في سبيل الله - ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث : الوسطى والسبابة والإبهام ، فجمعهن وقال : وأين المجاهدون - ؟ فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات ، فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه ، فقد وقع أجره على الله - والله ! إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن قتل قعصا فقد استوجب المآب
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي عن المنذر بن عبد الله ، عن ، عن أبيه ; أن هشام بن عروة قال : هاجر الزبير بن العوام خالد بن حزام إلى أرض الحبشة ، فنهشته حية في الطريق فمات ، فنزلت فيه : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ) قال الزبير : فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة ، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغني ; لأنه قل أحد ممن هاجر من قريش إلا معه بعض أهله ، أو ذوي رحمه ، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى ، ولا أرجو غيره .
وهذا الأثر غريب جدا فإن هذه القصة مكية ، ونزول هذه الآية مدنية ، فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره ، وإن لم يكن ذلك سبب النزول ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا سليمان بن داود مولى عبد الله بن جعفر ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن الأشعث - هو ابن سوار - عن عكرمة ، ابن عباس قال : خرج ضمرة بن جندب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله [ ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] ) . عن
وحدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، أنبأنا إسرائيل ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير أبي ضمرة بن العيص الزرقي ، الذي كان مصاب البصر ، وكان بمكة فلما نزلت : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ) فقلت : إني لغني ، وإني لذو حيلة ، [ قال ] فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم ، فنزلت هذه الآية : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت [ فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ] ) عن
[ ص: 394 ] قال : حدثنا الحافظ أبو يعلى إبراهيم بن زياد سبلان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن حميد بن أبي حميد ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة . " من خرج حاجا فمات ، كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمرا فمات ، كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات ، كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة "
وهذا حديث غريب من هذا الوجه .