مسألة : 
فلو اقتص المجني عليه من الجاني ، فمات من القصاص  ، فلا شيء عليه عند مالك   والشافعي   [ ص: 124 ]  وأحمد بن حنبل  وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم . وقال أبو حنيفة   : تجب الدية في مال المقتص   . وقال عامر الشعبي   وعطاء   وطاوس   وعمرو بن دينار  والحارث العكلي   وابن أبي ليلى   وحماد بن أبي سليمان   والزهري   والثوري   : تجب الدية على عاقلة المقتص له . وقال ابن مسعود   وإبراهيم النخعي   والحكم بن عتيبة   وعثمان البتي   : يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة ، ويجب الباقي في ماله . 
وقوله : ( فمن تصدق به فهو كفارة له   ) قال علي بن أبي طلحة  عن ابن عباس   : ( فمن تصدق به فهو كفارة له   ) يقول : فمن عفا عنه ، وتصدق عليه فهو كفارة للمطلوب ، وأجر للطالب . 
وقال  سفيان الثوري  عن عطاء بن السائب  عن سعيد بن جبير  عن ابن عباس   : ( فمن تصدق به فهو كفارة له   ) قال : كفارة للجارح ، وأجر المجروح على الله عز وجل . رواه ابن أبي حاتم  ثم قال : وروي عن خيثمة بن عبد الرحمن  ومجاهد  وإبراهيم   - في أحد قوليه -  وعامر الشعبي   وجابر بن زيد   - نحو ذلك الوجه الثاني ، ثم قال ابن أبي حاتم   : 
حدثنا حماد بن زاذان  حدثنا حرمي - يعني ابن عمارة   - حدثنا شعبة  عن  عمارة - يعني ابن أبي حفصة   - عن رجل ، عن  جابر بن عبد الله  في قول الله عز وجل ( فمن تصدق به فهو كفارة له   ) قال : للمجروح . وروى عن  الحسن البصري   وإبراهيم النخعي   - في أحد قوليه -  وأبي إسحاق الهمداني  نحو ذلك . 
وروى ابن جرير  عن عامر الشعبي  وقتادة  مثله . 
وقال ابن أبي حاتم   : حدثنا يونس بن حبيب  حدثنا  أبو داود الطيالسي  حدثنا شعبة  عن  قيس - يعني بن مسلم   - قال : سمعت  طارق بن شهاب  يحدث ، عن الهيثم أبي العريان النخعي  قال : رأيت عبد الله بن عمرو  عند معاوية  أحمر شبيها بالموالي ، فسألته عن قول الله [ عز وجل ] ( فمن تصدق به فهو كفارة له   ) قال : يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به  . 
وهكذا رواه  سفيان الثوري  عن  قيس بن مسلم   . وكذا رواه ابن جرير  من طريق سفيان  وشعبة   . 
وقال ابن مردويه   : حدثني محمد بن علي ،  حدثنا عبد الرحيم بن محمد المجاشعي  حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج المهري  حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي  حدثنا معلى   - يعني ابن هلال   - أنه سمع  أبان بن تغلب  عن أبي العريان الهيثم بن الأسود  عن عبد الله بن عمرو   - وعن  أبان بن تغلب  عن الشعبي  عن رجل من الأنصار  عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( فمن تصدق به فهو كفارة له   ) قال : هو الذي تكسر سنه ، أو تقطع يده ، أو يقطع الشيء منه ، أو يجرح في بدنه فيعفو عن ذلك ، وقال فيحط عنه قدر خطاياه ، فإن كان ربع الدية فربع خطاياه ، وإن كان الثلث فثلث خطاياه ، وإن  [ ص: 125 ] كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك  . 
ثم قال ابن جرير   : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة  حدثنا ابن فضيل  عن يونس بن أبي إسحاق  عن  أبي السفر  قال : دفع رجل من قريش  رجلا من الأنصار  فاندقت ثنيته ، فرفعه الأنصاري  إلى معاوية  فلما ألح عليه الرجل قال : شأنك وصاحبك . قال :  وأبو الدرداء  عند معاوية  فقال أبو الدرداء   : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء من جسده ، فيهبه ، إلا رفعه الله به درجة ، وحط عنه به خطيئة  " . فقال الأنصاري : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فخلى سبيل القرشي  ، فقال معاوية   : مروا له بمال . 
هكذا رواه ابن جرير  ورواه  الإمام أحمد  فقال : حدثنا  وكيع  حدثنا يونس بن أبي إسحاق  عن  أبي السفر  قال : كسر رجل من قريش  سن رجل من الأنصار  فاستعدى عليه معاوية  فقال القرشي   : إن هذا دق سني ؟ قال معاوية   : إنا سنرضيه . فألح الأنصاري  ، فقال معاوية   : شأنك بصاحبك  وأبو الدرداء  جالس ، فقال أبو الدرداء  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء في جسده ، فيتصدق به ، إلا رفعه الله به درجة أو حط عنه بها خطيئة " . فقال الأنصاري   : فإني ، يعني : قد عفوت . 
وهكذا رواه الترمذي  من حديث ابن المبارك   وابن ماجه  من حديث  وكيع  كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق  به ، ثم قال الترمذي   : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ولا أعرف لأبي السفر  سماعا من  أبي الدرداء   . 
وقال  [ أبو بكر ] بن مردويه   : حدثنا  دعلج بن أحمد  حدثنا محمد بن علي بن زيد  حدثنا  سعيد بن منصور  حدثنا سفيان  عن عمران بن ظبيان  عن عدي بن ثابت ;  أن رجلا هتم فمه رجل ، على عهد معاوية  رضي الله عنه ، فأعطي دية ، فأبى إلا أن يقتص ، فأعطي ديتين ، فأبى ، فأعطي ثلاثا ، فأبى ، فحدث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " من تصدق بدم فما دونه ، فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت " . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا سريج بن النعمان  حدثنا هشيم  عن المغيرة  عن الشعبي  أن عبادة بن الصامت  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يجرح من جسده جراحة ، فيتصدق  [ ص: 126 ] بها ، إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به  . 
ورواه  النسائي  عن علي بن حجر  عن جرير بن عبد الحميد  ورواه ابن جرير  عن محمود بن خداش  عن هشيم  كلاهما عن المغيرة  به . 
وقال  الإمام أحمد   : حدثنا  يحيى بن سعيد القطان  عن مجالد  عن عامر  عن المحرر بن أبي هريرة  عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أصيب بشيء من جسده ، فتركه لله ، كان كفارة له  " . 
وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون   ) قد تقدم عن طاوس   وعطاء  أنهما قالا كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . 
				
						
						
