( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون   ( 108 ) ) . 
يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين  ، وإن كان فيه مصلحة ، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها ، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين ، وهو الله لا إله إلا هو . 
كما قال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  في هذه الآية : قالوا : يا محمد  ، لتنتهين عن سبك آلهتنا ، أو لنهجون ربك ، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ، ( فيسبوا الله عدوا بغير علم   ) . 
وقال عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن قتادة   : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار ، فيسب الكفار الله  [ ص: 315 ] عدوا بغير علم ، فأنزل الله : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله    ) . 
وروى ابن جرير   وابن أبي حاتم  ، عن  السدي  أنه قال في تفسير هذه الآية : لما حضر أبا طالب  الموت قالت قريش   : انطلقوا فلندخل على هذا الرجل ، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه ، فإنا نستحيي أن نقتله بعد موته ، فتقول العرب : كان يمنعهم فلما مات قتلوه . فانطلق أبو سفيان  ، وأبو جهل  ، والنضر بن الحارث  ، وأمية  ، وأبي ابنا خلف  ، وعقبة بن أبي معيط  ،  وعمرو بن العاص  ، والأسود بن البختري  وبعثوا رجلا منهم يقال له : " المطلب   " ، قالوا : استأذن لنا على أبي طالب  ، فأتى أبا طالب  فقال : هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخول عليك ، فأذن لهم عليه ، فدخلوا عليه فقالوا : يا أبا طالب  ، أنت كبيرنا وسيدنا ، وإن محمدا  قد آذانا وآذى آلهتنا ، فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر آلهتنا ، ولندعه وإلهه . فدعاه ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبو طالب   : هؤلاء قومك وبنو عمك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تريدون؟ " قالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا ، ولندعك وإلهك . قال له أبو طالب   : قد أنصفك قومك ، فاقبل منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيتم إن أعطيتكم هذا ، هل أنتم معطي كلمة إن تكلمتم بها ملكتم بها العرب ، ودانت لكم بها العجم ، وأدت لكم الخراج ؟  " قال أبو جهل   : وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها قال : فما هي؟ قال : " قولوا لا إله إلا الله " فأبوا واشمأزوا . قال أبو طالب   : يا ابن أخي ، قل غيرها ، فإن قومك قد فزعوا منها . قال : " يا عم ، ما أنا بالذي أقول غيرها ، حتى يأتوا بالشمس فيضعوها في يدي ، ولو أتوا بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها  " إرادة أن يؤيسهم ، فغضبوا وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا ، أو لنشتمنك ونشتم من يأمرك ، فذلك قوله : ( فيسبوا الله عدوا بغير علم   ) . 
ومن هذا القبيل - وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها   - ما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ملعون من سب والديه " قالوا : يا رسول الله ، وكيف يسب الرجل والديه؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه  " أو كما قال عليه السلام . 
وقوله تعالى : ( كذلك زينا لكل أمة عملهم   ) أي : وكما زينا لهؤلاء القوم حب أصنامهم والمحاماة لها والانتصار ، كذلك زينا لكل أمة من الأمم الخالية على الضلال - عملهم الذي كانوا فيه ، ولله الحجة البالغة ، والحكمة التامة فيما يشاؤه ويختاره . ( ثم إلى ربهم مرجعهم   ) أي : معادهم ومصيرهم ، ( فينبئهم بما كانوا يعملون   ) أي : يجازيهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . 
				
						
						
