(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28972_32053إياك نعبد وإياك نستعين ( 5 ) ) .
[ قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك وقرأ
عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة ؛ لأن إيا ضوء الشمس . وقرأ بعضهم : أياك بفتح الهمزة وتشديد الياء ، وقرأ بعضهم : هياك بالهاء بدل الهمزة ، كما قال الشاعر :
فهياك والأمر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره
و
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5نستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى
يحيى بن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة
بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس ] . العبادة في اللغة من الذلة ، يقال : طريق معبد ، وبعير معبد ، أي : مذلل ، وفي الشرع : عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف .
وقدم المفعول وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك ، وكرر ؛ للاهتمام والحصر ، أي : لا نعبد إلا إياك ، ولا نتوكل إلا عليك ، وهذا هو كمال الطاعة . والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين ، وهذا كما قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن ، وسرها هذه الكلمة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة ، والتفويض
[ ص: 135 ] إلى الله عز وجل . وهذا المعنى في غير آية من القرآن ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون ) [ هود : 123 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك : 29 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] ، وكذلك هذه الآية الكريمة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين .
وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب ، وهو مناسبة ، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى ؛ فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى ، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك ، وهو قادر عليه ، كما جاء في الصحيحين ، عن
عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500734لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح
مسلم ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14806العلاء بن عبد الرحمن ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=3500735عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، إذا قال العبد : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرحمن الرحيم ) [ الفاتحة : 3 ] قال : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] قال الله : مجدني عبدي ، وإذا قال : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين [ الفاتحة : 6 ، 7 ] قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . وقال
الضحاك ، عن
ابن عباس : إياك نعبد يعني : إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها .
وقال
قتادة :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم .
وإنما قدم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد على
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وإياك نستعين لأن العبادة له هي المقصودة ، والاستعانة وسيلة إليها ، والاهتمام والحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم ، والله أعلم .
فإن قيل : فما معنى النون في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين فإن كانت للجمع فالداعي واحد ، وإن كانت للتعظيم فلا تناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب : بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ، ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم ، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها ، وتوسط لهم بخير ، ومنهم من قال : يجوز أن تكون للتعظيم ، كأن العبد قيل له : إذا كنت في العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين ، وإذا كنت خارج العبادة فلا تقل : نحن ولا فعلنا ، ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز وجل . ومنهم من قال : ألطف في التواضع من إياك أعبد ، لما في الثاني من تعظيمه نفسه
[ ص: 136 ] من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ، ولا يثني عليه كما يليق به ، والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى ، كما قال بعضهم :
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
وقد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته [ فقال ]
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) [ الجن : 19 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ] فسماه عبدا عند إنزاله عليه وقيامه في الدعوة وإسرائه به ، وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له ، حيث يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=97ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 97 - 99 ] .
وقد حكى
فخر الدين في تفسيره عن بعضهم : أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة ؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق ؛ قال : ولأن الله متولي مصالح عبده ، والرسول متولي مصالح أمته وهذا القول خطأ ، والتوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ، ولم يتعرض له
فخر الدين بتضعيف ولا رده . وقال بعض
الصوفية : العبادة إما لتحصيل ثواب ورد عقاب ؛ قالوا : وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده ، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى ، وهذا - أيضا - عندهم ضعيف ، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال ، قالوا : ولهذا يقول المصلي : أصلي لله ، ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العذاب لبطلت صلاته . وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا : كون العبادة لله عز وجل ، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ، ولا أن يدفع عذابا ، كما قال ذلك الأعرابي : أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حولها ندندن .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28972_32053إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ( 5 ) ) .
[ قَرَأَ السَّبْعَةُ وَالْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ وَقَرَأَ
عَمْرُو بْنُ فَايِدٍ بِتَخْفِيفِهَا مَعَ الْكَسْرِ وَهِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ ؛ لِأَنَّ إِيَّا ضَوْءُ الشَّمْسِ . وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ : أَيَّاكَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ : هَيَّاكَ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
فَهَيَّاكَ وَالْأَمْرَ الَّذِي إِنْ تَرَاحَبَتْ مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلَيْكَ مَصَادِرُهُ
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5نَسْتَعِينُ بِفَتْحِ النُّونِ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ فِي قِرَاءَةِ الْجَمِيعِ سِوَى
يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ فَإِنَّهُمَا كَسَرَاهَا وَهِيَ لُغَةُ
بَنِي أَسَدٍ وَرَبِيعَةَ وَبَنِي تَمِيمٍ وَقَيْسٍ ] . الْعِبَادَةُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الذِّلَّةِ ، يُقَالُ : طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ ، وَبَعِيرٌ مُعَبَّدٌ ، أَيْ : مُذَلَّلٌ ، وَفِي الشَّرْعِ : عِبَارَةٌ عَمَّا يَجْمَعُ كَمَالَ الْمَحَبَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالْخَوْفِ .
وَقُدِّمَ الْمَفْعُولُ وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ ، وَكُرِّرَ ؛ لِلِاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ ، أَيْ : لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ ، وَلَا نَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْكَ ، وَهَذَا هُوَ كَمَالُ الطَّاعَةِ . وَالدِّينُ يَرْجِعُ كُلُّهُ إِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : الْفَاتِحَةُ سِرُّ الْقُرْآنِ ، وَسِرُّهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) [ الْفَاتِحَةِ : 5 ] فَالْأَوَّلُ تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالثَّانِي تَبَرُّؤٌ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَالتَّفْوِيضِ
[ ص: 135 ] إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَهَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=123فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) [ هُودٍ : 123 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=29قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ) [ الْمُلْكِ : 29 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=9رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ) [ الْمُزَّمِّلِ : 9 ] ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
وَتَحَوُّلُ الْكَلَامِ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْمُوَاجَهَةِ بِكَافِ الْخِطَابِ ، وَهُوَ مُنَاسَبَةٌ ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْنَى عَلَى اللَّهِ فَكَأَنَّهُ اقْتَرَبَ وَحَضَرَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالثَّنَاءِ عَلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ بِجَمِيلِ صِفَاتِهِ الْحُسْنَى ، وَإِرْشَادٌ لِعِبَادِهِ بِأَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ
عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500734لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ ، مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=14806الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، مَوْلَى الْحُرَقَةِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، nindex.php?page=hadith&LINKID=3500735عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ ، فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، إِذَا قَالَ الْعَبْدُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ الْفَاتِحَةِ : 2 ] قَالَ : حَمِدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) [ الْفَاتِحَةِ : 3 ] قَالَ : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي ، فَإِذَا قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) [ الْفَاتِحَةِ : 4 ] قَالَ اللَّهُ : مَجَّدَنِي عَبْدِي ، وَإِذَا قَالَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) [ الْفَاتِحَةِ : 5 ] قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ ، فَإِذَا قَالَ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [ الْفَاتِحَةِ : 6 ، 7 ] قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ . وَقَالَ
الضَّحَّاكُ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ يَعْنِي : إِيَّاكَ نُوَحِّدُ وَنَخَافُ وَنَرْجُو يَا رَبَّنَا لَا غَيْرَكَ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ عَلَى طَاعَتِكَ وَعَلَى أُمُورِنَا كُلِّهَا .
وَقَالَ
قَتَادَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ وَأَنْ تَسْتَعِينُوهُ عَلَى أَمْرِكُمْ .
وَإِنَّمَا قَدَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَهُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ ، وَالِاسْتِعَانَةُ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا ، وَالِاهْتِمَامُ وَالْحَزْمُ هُوَ أَنْ يُقَدَّمَ مَا هُوَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا مَعْنَى النُّونِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فَإِنْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ فَالدَّاعِي وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْظِيمِ فَلَا تُنَاسِبُ هَذَا الْمَقَامَ ؟ وَقَدْ أُجِيبَ : بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ الْإِخْبَارُ عَنْ جِنْسِ الْعِبَادِ وَالْمُصَلِّي فَرْدٌ مِنْهُمْ ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ إِمَامَهُمْ ، فَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعِبَادَةِ الَّتِي خُلِقُوا لِأَجْلِهَا ، وَتَوَسَّطَ لَهُمْ بِخَيْرٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْظِيمِ ، كَأَنَّ الْعَبْدَ قِيلَ لَهُ : إِذَا كُنْتَ فِي الْعِبَادَةِ فَأَنْتَ شَرِيفٌ وَجَاهُكَ عَرِيضٌ فَقُلْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، وَإِذَا كُنْتَ خَارِجَ الْعِبَادَةِ فَلَا تَقُلْ : نَحْنُ وَلَا فَعَلْنَا ، وَلَوْ كُنْتَ فِي مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَلْفِ أَلْفٍ لِافْتِقَارِ الْجَمِيعِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَلْطَفُ فِي التَّوَاضُعِ مِنْ إِيَّاكَ أَعْبُدُ ، لِمَا فِي الثَّانِي مِنْ تَعْظِيمِهِ نَفْسَهُ
[ ص: 136 ] مِنْ جَعْلِهِ نَفْسَهُ وَحْدَهُ أَهْلًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْبُدَهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ ، وَلَا يُثْنِيَ عَلَيْهِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ ، وَالْعِبَادَةُ مَقَامٌ عَظِيمٌ يَشْرُفُ بِهِ الْعَبْدُ لِانْتِسَابِهِ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ :
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ رَسُولَهُ بِعَبْدِهِ فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ [ فَقَالَ ]
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنَزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ) [ الْكَهْفِ : 1 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ) [ الْجِنِّ : 19 ]
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 1 ] فَسَمَّاهُ عَبْدًا عِنْدَ إِنْزَالِهِ عَلَيْهِ وَقِيَامِهِ فِي الدَّعْوَةِ وَإِسْرَائِهِ بِهِ ، وَأَرْشَدَهُ إِلَى الْقِيَامِ بِالْعِبَادَةِ فِي أَوْقَاتٍ يَضِيقُ صَدْرُهُ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ ، حَيْثُ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=97وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) [ الْحِجْرِ : 97 - 99 ] .
وَقَدْ حَكَى
فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِهِمْ : أَنَّ مَقَامَ الْعُبُودِيَّةِ أَشْرَفُ مِنْ مَقَامِ الرِّسَالَةِ ؛ لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ تَصْدُرُ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ وَالرِّسَالَةُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْخَلْقِ ؛ قَالَ : وَلِأَنَّ اللَّهَ مُتَوَلِّي مَصَالِحِ عَبْدِهِ ، وَالرَّسُولُ مُتَوَلِّي مَصَالِحِ أُمَّتِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ ، وَالتَّوْجِيهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا حَاصِلَ لَهُ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ
فَخْرُ الدِّينِ بِتَضْعِيفٍ وَلَا رَدَّهُ . وَقَالَ بَعْضُ
الصُّوفِيَّةِ : الْعِبَادَةُ إِمَّا لِتَحْصِيلِ ثَوَابٍ وَرَدِّ عِقَابٍ ؛ قَالُوا : وَهَذَا لَيْسَ بِطَائِلٍ إِذْ مَقْصُودُهُ تَحْصِيلُ مَقْصُودِهِ ، وَإِمَّا لِلتَّشْرِيفِ بِتَكَالِيفِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهَذَا - أَيْضًا - عِنْدَهُمْ ضَعِيفٌ ، بَلِ الْعَالِي أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْكَمَالِ ، قَالُوا : وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُصَلِّي : أُصَلِّي لِلَّهِ ، وَلَوْ كَانَ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ الْعَذَابِ لَبَطُلَتْ صَلَاتُهُ . وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ آخَرُونَ وَقَالُوا : كَوْنُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا يُنَافِي أَنْ يَطْلُبَ مَعَهَا ثَوَابًا ، وَلَا أَنْ يَدْفَعَ عَذَابًا ، كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ : أَمَا إِنِّي لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ إِنَّمَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ .