( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين    ( 172 ) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون   ( 173 ) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون   ( 174 ) ) 
يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم  من أصلابهم ، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو . كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ، قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله   ) [ الروم : 30 ] وفي الصحيحين عن  أبي هريرة  ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية : على هذه الملة - فأبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء  " وفي صحيح مسلم ،  عن عياض بن حمار  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله [ تعالى ] إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم ، عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم  " 
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير  ، رحمه الله : حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  ، حدثنا ابن وهب  ، أخبرني السري بن يحيى   : أن  الحسن بن أبي الحسن  حدثهم ، عن الأسود بن سريع  من بني سعد  ، قال : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات ، قال : فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتد عليه ، ثم قال : " ما بال أقوام يتناولون الذرية ؟ " قال رجل : يا رسول الله ، أليسوا أبناء المشركين ؟ فقال : " إن خياركم أبناء المشركين ! ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ، فأبواها يهودانها أو ينصرانها  " . قال الحسن   : والله لقد قال الله في كتابه : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم   ) الآية 
 [ ص: 501 ] وقد رواه  الإمام أحمد  ، عن إسماعيل ابن علية  ، عن يونس بن عبيد  ، عن  الحسن البصري  به . وأخرجه  النسائي  في سننه من حديث هشيم ،  عن يونس بن عبيد  ، عن الحسن  قال : حدثنا الأسود بن سريع  ، فذكره ، ولم يذكر قول  الحسن البصري  واستحضاره الآية عند ذلك 
وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم ،  عليه السلام ، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين و [ إلى ] أصحاب الشمال ، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم . 
قال  الإمام أحمد   : حدثنا حجاج ،  حدثنا شعبة ،  عن  أبي عمران الجوني  ، عن أنس بن مالك  ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به ؟ " قال : " فيقول : نعم . فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك بي  " . 
أخرجاه في الصحيحين ، من حديث شعبة ،  به 
حديث آخر : وقال  الإمام أحمد   : حدثنا حسين بن محمد  ، حدثنا  جرير - يعني ابن حازم   - عن كلثوم بن جابر  عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس   [ رضي الله عنهما ] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم ، عليه السلام ، بنعمان . يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ، ثم كلمهم قبلا قال : ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين   ) إلى قوله : ( المبطلون ) 
وقد روى هذا الحديث  النسائي  في كتاب التفسير من سننه ، عن محمد بن عبد الرحيم - صاعقة   - عن حسين بن محمد المروزي  ، به . ورواه ابن جرير   وابن أبي حاتم  من حديث حسين بن محمد  به . إلا أن ابن أبي حاتم  جعله موقوفا . وأخرجه  الحاكم  في مستدركه من حديث حسين بن محمد  وغيره ، عن جرير بن حازم  ، عن كلثوم بن جبر  ، به . وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد احتج مسلم  بكلثوم بن جبير  هكذا قال ، وقد رواه عبد الوارث  ، عن كلثوم بن جبر  عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  ، فوقفه وكذا رواه إسماعيل ابن علية   ووكيع ،  عن ربيعة بن كلثوم ،  عن جبير ،  عن أبيه ، به . وكذا رواه عطاء بن السائب ،   وحبيب بن أبي ثابت ،  وعلي بن بذيمة ،  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس  قوله ، وكذا رواه العوفي  وعلي بن أبي طلحة  عن ابن  [ ص: 502 ] عباس  فهذا أكثر وأثبت ، والله أعلم . 
وقال ابن جرير   : حدثنا ابن وكيع ،  حدثنا أبي ، عن أبي هلال ،  عن أبي جمرة الضبعي ،  عن ابن عباس   [ رضي الله عنهما ] قال : أخرج الله ذرية آدم   [ عليه السلام ] من ظهره كهيئة الذر ، وهو في آذي من الماء  . 
وقال أيضا : حدثنا علي بن سهل ،  حدثنا ضمرة بن ربيعة ،  حدثنا أبو مسعود  عن جوبير  قال : مات ابن  للضحاك بن مزاحم ،   [ وهو ] ابن ستة أيام . قال : فقال : يا جابر ،  إذا أنت وضعت ابني في لحده ، فأبرز وجهه ، وحل عنه عقده ، فإن ابني مجلس ، ومسئول . ففعلت به الذي أمر ، فلما فرغت قلت : يرحمك الله ، عم يسأل ابنك ؟ من يسأله إياه ؟ قال : يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم   . قلت : يا أبا القاسم ،  وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم ؟  قال : حدثني ابن عباس   [ رضي الله عنه ] ; أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة ، فأخذ منهم الميثاق : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وتكفل لهم بالأرزاق ، ثم أعادهم في صلبه . فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به ، نفعه الميثاق الأول . ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به ، لم ينفعه الميثاق الأول . ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر ، مات على الميثاق الأول على الفطرة 
فهذه الطرق كلها مما تقوي وقف هذا على ابن عباس ،  والله أعلم . 
حديث آخر : وقال ابن جرير   : حدثنا عبد الرحمن بن الوليد ،  حدثنا أحمد بن أبي طيبة ،  عن  سفيان بن سعيد ،  عن الأجلح ،  عن الضحاك  وعن - منصور ،  عن مجاهد   - عن عبد الله بن عمرو  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم   ) قال : " أخذ من ظهره ، كما يؤخذ بالمشط من الرأس ، فقال لهم : ( ألست بربكم قالوا بلى   ) قالت الملائكة ( شهدنا أن يقولوا   ) يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين 
أحمد بن أبي طيبة  هذا هو : أبو محمد الجرجاني  قاضي قومس ،  كان أحد الزهاد ، أخرج له  النسائي  في سننه ، وقال  أبو حاتم الرازي   : يكتب حديثه . وقال  ابن عدي   : حدث بأحاديث أكثرها غرائب . 
وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ،  عن  سفيان الثوري ،  عن منصور ،  عن مجاهد ،   [ ص: 503 ] عن عبد الله بن عمرو ،  قوله ، وكذا رواه جرير ،  عن منصور ،  به . وهذا أصح والله أعلم . 
حديث آخر : قال  الإمام أحمد   : حدثنا  روح - هو ابن عبادة   - حدثنا مالك ،  وحدثنا إسحاق ،  أخبرنا مالك ،  عن  زيد بن أبي أنيسة   : أن  عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ،  أخبره ، عن مسلم بن يسار الجهني   : أن  عمر بن الخطاب  سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى   ) الآية ، فقال  عمر بن الخطاب   : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سئل عنها ، فقال : " إن الله خلق آدم ، عليه السلام ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون . ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، قال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون " . فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا خلق الله العبد للجنة ، استعمله بأعمال أهل الجنة ، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة . وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله به النار  " . 
وهكذا رواه أبو داود  عن القعنبي   -  والنسائي  عن قتيبة   -  والترمذي  عن إسحاق بن موسى ،  عن معن   .  وابن أبي حاتم ،  عن  يونس بن عبد الأعلى ،  عن ابن وهب   .  وابن جرير  من حديث روح بن عبادة  وسعيد بن عبد الحميد بن جعفر   . وأخرجه  ابن حبان  في صحيحه ، من رواية أبي مصعب الزبيري ،  كلهم عن الإمام مالك بن أنس ،  به 
قال الترمذي   : وهذا حديث حسن ، ومسلم بن يسار  لم يسمع عمر   . وكذا قاله أبو حاتم  وأبو زرعة   . زاد أبو حاتم   : وبينهما نعيم بن ربيعة   . 
وهذا الذي قاله أبو حاتم ،  رواه أبو داود  في سننه ، عن محمد بن مصفى ،  عن بقية ،  عن عمر بن جعثم القرشي ،  عن  زيد بن أبي أنيسة ،  عن  عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ،  عن مسلم بن يسار الجهني ،  عن نعيم بن ربيعة  قال : كنت عند  عمر بن الخطاب   [ رضي الله عنه ] وقد سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم   ) فذكره 
وقال  الحافظ الدارقطني   : وقد تابع عمر بن جعثم بن زيد بن سنان  أبو فروة الرهاوي ،  وقولهما أولى بالصواب من قول مالك ،  والله أعلم 
قلت : الظاهر أن الإمام مالكا  إنما أسقط ذكر " نعيم بن ربيعة   " عمدا ; لما جهل حاله ولم يعرفه ،  [ ص: 504 ] فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ، وكذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ; ولهذا يرسل كثيرا من المرفوعات ، ويقطع كثيرا من الموصولات ، والله أعلم . 
حديث آخر : قال الترمذي  عند تفسيره هذه الآية : حدثنا عبد بن حميد ،  حدثنا أبو نعيم ،  حدثنا  هشام بن سعد ،  عن  زيد بن أسلم ،  عن أبي صالح ،  عن  أبي هريرة   [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله [ عز وجل ] آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ، ثم عرضهم على آدم ، فقال : أي رب ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك . فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب ، من هذا ؟ قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك ، يقال له : داود . قال : رب ، وكم جعلت عمره ؟ قال : ستين سنة . قال : أي رب ، زده من عمري أربعين سنة . فلما انقضى عمر آدم ، جاءه ملك الموت قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أو لم تعطها ابنك داود ؟ قال : فجحد آدم فجحدت ذريته ، ونسي آدم فنسيت ذريته ، وخطئ آدم فخطئت ذريته  " . 
ثم قال الترمذي   : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن  أبي هريرة ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
ورواه  الحاكم  في مستدركه ، من حديث  أبي نعيم الفضل بن دكين ،  به . وقال : صحيح على شرط مسلم  ولم يخرجاه 
ورواه ابن أبي حاتم  في تفسيره ، من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،  عن أبيه ، أنه حدثه عن  عطاء بن يسار ،  عن  أبي هريرة ،  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو ما تقدم ، إلى أن قال : " ثم عرضهم على آدم فقال : يا آدم ، هؤلاء ذريتك . وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى ، وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب ، لم فعلت هذا بذريتي ؟ قال : كي تشكر نعمتي . وقال آدم : يا رب ، من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورا ؟ قال : هؤلاء الأنبياء يا آدم من ذريتك  " . ثم ذكر قصة داود ،  كنحو ما تقدم 
حديث آخر : قال عبد الرحمن بن قتادة النصري  عن أبيه ، عن هشام بن حكيم ،  رضي الله عنه ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أتبدأ الأعمال ، أم قد قضي القضاء ؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم ، ثم أشهدهم على أنفسهم ، ثم أفاض بهم في كفيه " ثم قال : " هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة  ، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار   " . 
رواه ابن جرير ،  وابن مردويه  من طرق عنه 
 [ ص: 505 ] حديث آخر : روى جعفر بن الزبير   - وهو ضعيف - عن القاسم ،  عن أبي أمامة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله الخلق ، وقضى القضية ، أخذ أهل اليمين بيمينه وأهل الشمال بشماله ، فقال : يا أصحاب اليمين . فقالوا : لبيك وسعديك . قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . قال : يا أصحاب الشمال . قالوا : لبيك وسعديك . قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ثم خلط بينهم ، فقال قائل : يا رب ، لم خلطت بينهم ؟ قال : لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، ثم ردهم في صلب آدم [ عليه السلام ]  . رواه ابن مردويه  
أثر آخر : قال أبو جعفر الرازي ،  عن الربيع بن أنس ،  عن أبي العالية ،  عن أبي بن كعب   [ رضي الله عنه ] في قول الله تعالى ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم   ) الآية والتي بعدها ، قال : فجمعهم له يومئذ جميعا ، ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ، فجعلهم أرواحا ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا ، وأخذ عليهم العهد والميثاق ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، الآية . قال : فإني أشهد عليكم السماوات السبع ، والأرضين السبع ، وأشهد عليكم أباكم آدم  أن تقولوا يوم القيامة : لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ، ولا رب غيري ، فلا تشركوا بي شيئا ، وإني سأرسل إليكم رسلا يذكرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتبي . قالوا : نشهد أنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك . فأقروا له يومئذ بالطاعة ، ورفع أباهم آدم فنظر إليهم ، فرأى فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك . فقال : يا رب ، لو سويت بين عبادك ؟ قال : إني أحببت أن أشكر . ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور ، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول تعالى ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم [ ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ]   ) [ الأحزاب : 7 ] وهو الذي يقول : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله [ التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ]   ) الآية [ الروم : 30 ] ، ومن ذلك قال : ( هذا نذير من النذر الأولى   ) [ النجم : 56 ] ومن ذلك قال : ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد [ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ]   ) [ الأعراف : 102 ] . 
رواه  عبد الله بن الإمام أحمد  في مسند أبيه ، ورواه ابن أبي حاتم   وابن جرير  وابن مردويه  في تفاسيرهم ، من رواية ابن جعفر الرازي ،  به . وروي عن مجاهد ،  وعكرمة ،   وسعيد بن جبير ،  والحسن ،  وقتادة ،   والسدي ،  وغير واحد من علماء السلف ، سياقات توافق هذه الأحاديث ، اكتفينا بإيرادها عن التطويل في تلك الآثار كلها ، وبالله المستعان . 
 [ ص: 506 ] فهذه الأحاديث دالة على أن الله ، عز وجل ، استخرج ذرية آدم  من صلبه ، وميز بين أهل الجنة وأهل النار ، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم ، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر  عن سعيد بن جبير ،  عن ابن عباس   [ رضي الله عنهما ] وفي حديث عبد الله بن عمرو   [ رضي الله عنهما ] وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان ، كما تقدم . ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد ، كما تقدم في حديث  أبي هريرة  وعياض بن حمار المجاشعي ،  ومن رواية  الحسن البصري  عن الأسود بن سريع   . وقد فسر  الحسن البصري  الآية بذلك ، قالوا : ولهذا قال : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم   ) ولم يقل : " من آدم   " ، ( من ظهورهم   ) ولم يقل : " من ظهره " ) ذرياتهم ) أي : جعل نسلهم جيلا بعد جيل ، وقرنا بعد قرن ، كما قال تعالى : ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض   ) [ الأنعام : 165 ] وقال : ( ويجعلكم خلفاء الأرض   ) [ النمل : 62 ] وقال : ( كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين   ) [ الأنعام : 133 ] 
ثم قال : ( وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى   ) أي : أوجدهم شاهدين بذلك ، قائلين له حالا وقالا . والشهادة تارة تكون بالقول ، كما قال [ تعالى ] ( قالوا شهدنا على أنفسنا   ) [ الأنعام : 130 ] الآية ، وتارة تكون حالا كما قال تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر   ) [ التوبة : 17 ] أي : حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك ، وكذلك قوله تعالى : ( وإنه على ذلك لشهيد   ) [ العاديات : 7 ] كما أن السؤال تارة يكون بالقال ، وتارة يكون بالحال ، كما في قوله : ( وآتاكم من كل ما سألتموه   ) [ إبراهيم : 34 ] قالوا : ومما يدل على أن المراد بهذا هذا ، أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك ، فلو كان قد وقع هذا كما قاله من قال لكان كل أحد يذكره ، ليكون حجة عليه . فإن قيل : إخبار الرسول به كاف في وجوده ، فالجواب : أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره . وهذا جعل حجة مستقلة عليهم ، فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد ; ولهذا قال : ( أن يقولوا ) أي : لئلا يقولوا يوم القيامة : ( إنا كنا عن هذا   ) أي : [ عن ] التوحيد ( غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا   ) الآية . 
				
						
						
