( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون    ( 2 ) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون   ( 3 ) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم   ( 4 ) ) 
قال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  قوله : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم   ) قال : المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ، ولا يتوكلون ، ولا يصلون إذا غابوا ، ولا يؤدون زكاة أموالهم ، فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ، ثم وصف المؤمنين فقال : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم   ) فأدوا فرائضه . ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا   ) يقول : تصديقا ( وعلى ربهم يتوكلون   ) يقول : لا يرجون غيره  . 
وقال مجاهد   : ( وجلت قلوبهم   ) فرقت ، أي : فزعت وخافت  . وكذا قال  السدي  وغير واحد . 
وهذه صفة المؤمن حق المؤمن ، الذي إذا ذكر الله وجل قلبه ، أي : خاف منه ، ففعل أوامره ، وترك زواجره . كقوله تعالى : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون   ) [ آل عمران : 135 ] وكقوله تعالى : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى   ) [ النازعات : 40 ، 41 ] ولهذا قال  سفيان الثوري   : سمعت  السدي  يقول في قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم   )  [ ص: 12 ] قال : هو الرجل يريد أن يظلم - أو قال : يهم بمعصية - فيقال له : اتق الله فيجل قلبه . 
وقال الثوري  أيضا : عن عبد الله بن عثمان بن خثيم  ، عن  شهر بن حوشب  ، عن  أم الدرداء  في قوله : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم   ) قالت : الوجل في القلب إحراق السعفة ، أما تجد له قشعريرة ؟ قال : بلى . قالت لي : إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك ، فإن الدعاء يذهب ذلك  . 
وقوله : ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا [ وعلى ربهم يتوكلون ]   ) كقوله : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون   ) [ التوبة : 124 ] . 
وقد استدل  البخاري  وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب ، كما هو مذهب جمهور الأمة ، بل قد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من الأئمة ،  كالشافعي ،   وأحمد بن حنبل  ، وأبي عبيد  ، كما بينا ذلك مستقصى في أول الشرح  البخاري ،  ولله الحمد والمنة . 
( وعلى ربهم يتوكلون   ) أي : لا يرجون سواه ، ولا يقصدون إلا إياه ، ولا يلوذون إلا بجنابه ، ولا يطلبون الحوائج إلا منه ، ولا يرغبون إلا إليه ، ويعلمون أنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له ، ولا معقب لحكمه ، وهو سريع الحساب ؛ ولهذا قال سعيد بن جبير   : التوكل على الله جماع الإيمان  . 
وقوله ( الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون   ) ينبه بذلك على أعمالهم بعد ما ذكر اعتقادهم ، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها ، وهو إقامة الصلاة ، وهو حق الله تعالى . 
وقال قتادة   : إقامة الصلاة : المحافظة على مواقيتها ووضوئها ، وركوعها ، وسجودها  . 
وقال مقاتل بن حيان   : إقامتها : المحافظة على مواقيتها ، وإسباغ الطهور فيها ، وتمام ركوعها وسجودها ، وتلاوة القرآن فيها ، والتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا إقامتها .  . 
والإنفاق مما رزقهم الله يشمل خراج الزكاة ، وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب ، والخلق كلهم عيال الله ، فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه . 
قال قتادة  في قوله ( ومما رزقناهم ينفقون   ) فأنفقوا مما أعطاكم الله ، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم ، أوشكت أن تفارقها . 
وقوله ( أولئك هم المؤمنون حقا   ) أي : المتصفون بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان . . 
 [ ص: 13 ] وقال  الحافظ أبو القاسم الطبراني   : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي  ، حدثنا أبو كريب  ، حدثنا  زيد بن الحباب  ، حدثنا ابن لهيعة  ، عن خالد بن يزيد السكسكي  ، عن سعيد بن أبي هلال  ، عن محمد بن أبي الجهم  ، عن الحارث بن مالك الأنصاري  ؛ أنه مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : كيف أصبحت يا حارث ؟  قال : أصبحت مؤمنا حقا . قال : انظر ماذا تقول ، فإن لكل شيء حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها ، فقال : يا حارث ، عرفت فالزم - ثلاثا  . 
وقال عمرو بن مرة  في قوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا   ) إنما أنزل القرآن بلسان العرب ، كقولك : فلان سيد حقا ، وفي القوم سادة ، وفلان تاجر حقا ، وفي القوم تجار ، وفلان شاعر حقا ، وفي القوم شعراء . 
وقوله : ( لهم درجات عند ربهم   ) أي : منازل ومقامات ودرجات في الجنات ، كما قال تعالى : ( هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون   ) [ آل عمران : 163 ] . 
( ومغفرة ) أي : يغفر لهم السيئات ، ويشكر لهم الحسنات . 
وقال الضحاك  في قوله : ( لهم درجات عند ربهم   ) أهل الجنة بعضهم فوق بعض ، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه ، ولا يرى الذي هو أسفل أنه فضل عليه أحد  . 
ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء ، قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم ؟ فقال : بلى ، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين  . 
وفي الحديث الآخر الذي رواه  الإمام أحمد   [ و ] أهل السنن من حديث عطية ،  عن أبي سعيد  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما  . 
 [ ص: 14 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					