هذا تعليم الله عباده المؤمنين آداب اللقاء ، وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء ، [ فقال ] ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا )
ثبت في الصحيحين ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، . عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال : يا أيها الناس ، لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف . ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم
[ ص: 71 ] وقال عبد الرزاق ، عن ، عن سفيان الثوري عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : . لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله فإن أجلبوا وضجوا فعليكم بالصمت
وقال الحافظ : حدثنا أبو القاسم الطبراني إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا معتمر بن سليمان ، حدثنا ثابت بن زيد ، عن رجل ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : زيد بن أرقم : عند تلاوة القرآن ، وعند الزحف ، وعند الجنازة إن الله يحب الصمت عند ثلاث .
وفي الحديث الآخر المرفوع يقول الله تعالى : . إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه أي : لا يشغله ذلك الحال عن ذكري ودعائي واستعانتي
وقال ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة في هذه الآية ، قال : افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ، حدثنا عبدة بن سليمان ابن المبارك ، عن ، عن ابن جريج عطاء قال : وجب الإنصات والذكر عند الزحف ، ثم تلا هذه الآية ، قلت : يجهرون بالذكر ؟ قال : نعم .
وقال أيضا : قرئ على ، أنبأنا يونس بن عبد الأعلى ابن وهب ، أخبرني عن عبد الله بن عياش يزيد بن قوذر ، عن كعب الأحبار قال : ما من شيء أحب إلى الله تعالى من قراءة القرآن والذكر ، ولولا ذلك ما أمر الناس بالصلاة والقتال ، ألا ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون )
قال الشاعر : ذكرتك والخطى يخطر بيننا وقد نهلت فينا المثقفة السمر وقال عنترة :
ولقد ذكرتك والرماح شواجر فينا وبيض الهند تقطر من دمي
[ ص: 72 ] [فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
( وتذهب ريحكم ) أي : قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال ، ( واصبروا إن الله مع الصابرين )
وقد كان للصحابة - رضي الله عنهم - في باب الشجاعة والائتمار بأمر الله ، وامتثال ما أرشدهم إليه - ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ، ولا يكون لأحد ممن بعدهم ؛ فإنهم ببركة الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، وطاعته فيما أمرهم ، فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة ، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم ، من الروم والفرس والترك والصقالبة والبربر والحبوش وأصناف السودان والقبط ، وطوائف بني آدم ، قهروا الجميع حتى علت كلمة الله ، وظهر دينه على سائر الأديان ، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ، في أقل من ثلاثين سنة ، فرضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ، وحشرنا في زمرتهم ، إنه كريم وهاب .