( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم  وذوقوا عذاب الحريق   ( 50 ) ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد   ( 51 ) ) 
يقول تعالى : ولو عاينت يا محمد  حال توفي الملائكة أرواح الكفار  ، لرأيت أمرا عظيما هائلا فظيعا منكرا ؛ إذ يضربون وجوههم وأدبارهم ، ويقولون لهم : ( ذوقوا عذاب الحريق   ) . 
قال  ابن جريج  ، عن مجاهد   : ( وأدبارهم ) أستاههم ، قال : يوم بدر   . 
قال  ابن جريج  ، قال ابن عباس   : إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف ، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم  . 
قال ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد قوله : ( إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم   )  [ ص: 77 ] يوم بدر   . 
وقال  وكيع  ، عن  سفيان الثوري  ، عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير  ، عن مجاهد  ، عن شعبة  ، عن يعلى بن مسلم  ، عن سعيد بن جبير   : ( يضربون وجوههم وأدبارهم   ) قال : وأستاههم ولكن الله يكني  . 
وكذا قال عمر مولى غفرة   . 
وعن  الحسن البصري  قال : قال رجل : يا رسول الله ، إني رأيت بظهر أبي جهل  مثل الشراك قال ما ذاك ؟ قال : ضرب الملائكة  . 
رواه ابن جرير  وهو مرسل . 
وهذا السياق - وإن كان سببه وقعة بدر   - ولكنه عام في حق كل كافر ؛ ولهذا لم يخصصه تعالى بأهل بدر  ، بل قال تعالى : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم   ) وفي سورة القتال مثلها وتقدم في سورة الأنعام [ عند ] قوله : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم   ) [ الأنعام : 93 ] أي : باسطو أيديهم بالضرب فيهم ، يأمرونهم إذا استصعبت أنفسهم وامتنعت من الخروج من الأجساد أن تخرج قهرا . وذلك إذ بشروهم بالعذاب والغضب من الله ، كما [ جاء ] في حديث البراء   : إن ملك الموت - إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة - يقول : اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم ، وظل من يحموم ، فتتفرق في بدنه ، فيستخرجونها من جسده ، كما يخرج السفود من الصوف المبلول فتخرج معها العروق والعصب ؛ ولهذا أخبر تعالى أن الملائكة تقول لهم : ( وذوقوا عذاب الحريق   ) 
وقوله تعالى : ( ذلك بما قدمت أيديكم   ) أي : هذا الجزاء بسبب ما عملتم من الأعمال السيئة  في حياتكم الدنيا ، جازاكم الله بها هذا الجزاء ، ( وأن الله ليس بظلام للعبيد   ) أي : لا يظلم أحدا من خلقه ، بل هو الحكم العدل ، الذي لا يجور ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه ، الغني الحميد ؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عند مسلم - رحمه الله - من رواية أبي ذر   - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تعالى يقول : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ؛ ولهذا قال تعالى : 
				
						
						
