( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه  كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين   ( 24 ) ) 
اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام ، وقد روي عن ابن عباس  ، ومجاهد ،   وسعيد بن جبير ،  وطائفة من السلف في ذلك ما ذكره ابن جرير  وغيره ، والله أعلم . 
وقال بعضهم : المراد بهمه بها هم خطرات حديث النفس   . حكاه البغوي  عن بعض أهل التحقيق ، ثم أورد البغوي  هاهنا حديث عبد الرزاق ،  عن معمر ،  عن همام ،  عن  أبي هريرة -  رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :  " يقول الله تعالى : إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها ، وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإنما تركها من جرائي ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها "  . 
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة ، هذا منها . 
وقيل : هم بضربها . وقيل : تمناها زوجة . وقيل : ( وهم بها لولا أن رأى برهان ربه   ) أي : فلم يهم بها . 
وفي هذا القول نظر من حيث العربية ، ذكره ابن جرير  وغيره . 
وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضا : فعن ابن عباس  ، ومجاهد ،   وسعيد بن جبير  ،  ومحمد بن سيرين ،  والحسن ،  وقتادة ،  وأبي صالح ،  والضحاك  ،  ومحمد بن إسحاق ،  وغيرهم : رأى صورة أبيه يعقوب ،  عليه السلام ، عاضا على أصبعه بفمه . 
وقيل عنه في رواية : فضرب في صدر يوسف   . 
وقال العوفي ،  عن ابن عباس   : رأى خيال الملك ، يعني : سيده ، وكذا قال محمد بن إسحاق ،   [ ص: 382 ] فيما حكاه عن بعضهم : إنما هو خيال إطفير سيده ، حين دنا من الباب . 
وقال ابن جرير   : حدثنا أبو كريب ،  حدثنا  وكيع ،  عن أبي مودود  سمعت من  محمد بن كعب القرظي  قال : رفع يوسف  رأسه إلى سقف البيت ، فإذا كتاب في حائط البيت : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا   ) [ الإسراء : 32 ] 
وكذا رواه أبو معشر المدني ،  عن محمد بن كعب   . 
وقال  عبد الله بن وهب ،  أخبرني نافع بن يزيد ،  عن أبي صخر  قال : سمعت القرظي  يقول في : " البرهان " الذي رأى يوسف   : ثلاث آيات من كتاب الله ( إن عليكم لحافظين   ) الآية [ الانفطار : 10 ] ، وقوله : ( وما تكون في شأن   ) الآية : [ يونس : 61 ] ، وقوله : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت   ) [ الرعد : 33 ] قال نافع : سمعت أبا هلال  يقول مثل قول القرظي ،  وزاد آية رابعة ( ولا تقربوا الزنا   ) [ الإسراء : 32 ] 
وقال الأوزاعي   : رأى آية من كتاب الله في الجدار تنهاه عن ذلك . 
قال ابن جرير   : والصواب أن يقال : إنه رأى من آيات الله ما زجره عما كان هم به ، وجائز أن يكون صورة يعقوب ،  وجائز أن يكون [ صورة ] الملك ، وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا من الزجر عن ذلك . ولا حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك ، فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى . 
قال : وقوله : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء   ) أي : كما أريناه برهانا صرفه عما كان فيه ، كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره . 
( إنه من عبادنا المخلصين   ) أي : من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار ، صلوات الله وسلامه عليه . 
				
						
						
