[ ص: 560 ]  ( وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين    ( 9 ) ) 
لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية ، نبه على الطرق المعنوية الدينية ، وكثيرا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية ، كما قال تعالى : ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى   ) [ البقرة : 197 ] وقال : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير   ) [ الأعراف : 26 ] . 
ولما ذكر في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها ، التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم ، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة - شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه ، فبين أن الحق منها ما هي موصلة إليه ، فقال : ( وعلى الله قصد السبيل   ) كما قال : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله   ) [ الأنعام : 153 ] وقال : ( هذا صراط علي مستقيم   ) [ الحجر : 41 ] . 
قال مجاهد   : في [ قوله ] : ( وعلى الله قصد السبيل   ) قال : طريق الحق على الله . 
وقال  السدي   : ( وعلى الله قصد السبيل   ) قال : الإسلام . 
وقال العوفي  عن ابن عباس  في قوله : ( وعلى الله قصد السبيل   ) يقول : وعلى الله البيان ، أي : تبين الهدى والضلال . 
وكذا روى علي بن أبي طلحة  ، عنه . وكذا قال قتادة  ، والضحاك   . وقول مجاهد  هاهنا أقوى من حيث السياق ; لأنه تعالى أخبر أن ثم طرقا تسلك إليه ، فليس يصل إليه منها إلا طريق الحق ، وهي الطريق التي شرعها ورضيها وما عداها مسدودة ، والأعمال فيها مردودة ; ولهذا قال تعالى : ( ومنها جائر ) أي : حائد مائل زائغ عن الحق . 
قال ابن عباس  وغيره : هي الطرق المختلفة ، والآراء والأهواء المتفرقة ، كاليهودية والنصرانية والمجوسية ، وقرأابن مسعود   : " ومنكم جائر " . 
ثم أخبر أن ذلك كله كائن عن قدرته ومشيئته ، فقال : ( ولو شاء لهداكم أجمعين   ) كما قال : ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا   ) [ يونس : 99 ] وقال : ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين   ) [ هود : 118 ، 119 ] . 
				
						
						
