[ ص: 278 ] [ القول في تأويل قوله تعالى : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ( 101 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته ، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة ، ومكنه في الأرض ، متشوقا إلى لقاء آبائه الصالحين : ( رب قد آتيتني من الملك ) ، يعني : من ملك مصر ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، يعني من عبارة الرؤيا ، تعديدا لنعم الله عليه ، وشكرا له عليها ( فاطر السماوات والأرض ) ، يقول : يا فاطر السماوات والأرض ، يا خالقها وبارئها ( أنت وليي في الدنيا والآخرة ) ، يقول : أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك ، وتغذوني فيها بنعمتك ، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك . ( توفني مسلما ) ، يقول : اقبضني إليك مسلما . ( وألحقني بالصالحين ) ، يقول : وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك .
وقيل : إنه لم يتمن أحد من الأنبياء الموت قبل يوسف .
ذكر من قال ذلك :
19940 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، الآية ، [ ص: 279 ] كان ابن عباس يقول : أول نبي سأل الله الموت يوسف .
19941 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ، قال : قال ابن جريج ابن عباس ، قوله : ( رب قد آتيتني من الملك ) . . . ، الآية ، قال : اشتاق إلى لقاء ربه ، وأحب أن يلحق به وبآبائه ، فدعا الله أن يتوفاه ويلحقه بهم . ولم يسأل نبي قط الموت غير يوسف ، فقال : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ) [ ص: 280 ] الآية قال : في بعض القرآن من قال من الأنبياء : " توفني " ابن جريج
19942 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) ، لما جمع شمله ، وأقر عينه ، وهو يومئذ مغموس في نبت الدنيا وملكها وغضارتها ، فاشتاق إلى الصالحين قبله . وكان ابن عباس يقول : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف .
19943 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : لما جمع ليوسف شمله ، وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربه فقال : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) قال قتادة : ولم يتمن الموت أحد قط ، نبي ولا غيره إلا يوسف .
19944 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا ، قال : حدثني غير واحد ، عن الوليد بن مسلم ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أن يوسف النبي صلى الله عليه وسلم ، لما جمع بينه وبين أبيه وإخوته ، وهو يومئذ ملك مصر ، اشتاق إلى الله وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق ، فقال : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين )
19945 - حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن ، عن مسلم بن خالد ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) ، قال : العبارة .
19946 - حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) ، يقول : توفني على طاعتك ، واغفر لي إذا توفيتني .
19947 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله ، ورده على والده ، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة : ( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) ، إلى قوله : ( إنه هو العليم الحكيم ) . ثم ارعوى يوسف ، وذكر أن ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب ، فقال : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) . [ ص: 281 ]
وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ، استغفر لهم أبوهم ، فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنبهم
ذكر من قال ذلك :
19948 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن صالح المري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : إن الله تبارك وتعالى لما جمع ليعقوب شمله ، وأقر عينه ، خلا ولده نجيا ، فقال بعضهم لبعض : ألستم قد علمتم ما صنعتم ، وما لقي منكم الشيخ ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا : بلى! قال : فيغركم عفوهما عنكم ، فكيف لكم بربكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ، ويوسف إلى جنب أبيه قاعد ، قالوا : يا أبانا ، أتيناك في أمر لم نأتك في أمر مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله! حتى حركوه ، والأنبياء أرحم البرية ، فقال : ما لكم يا بني؟ قالوا : ألست قد علمت ما كان منا إليك ، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال : بلى! قالوا : أفلستما قد عفوتما؟ قالا بلى! قالوا : فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا إن كان الله لم يعف عنا! قال : فما تريدون يا بني؟ قالوا : نريد أن تدعو الله لنا ، فإذا جاءك الوحي من عند الله بأنه قد عفا عما صنعنا ، قرت أعيننا ، واطمأنت قلوبنا ، وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبدا . قال : فقام الشيخ واستقبل القبلة ، وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين . قال : فدعا وأمن يوسف ، ، فلم يجب فيهم عشرين سنة قال صالح المري : يخيفهم . قال : حتى إذا كان رأس العشرين ، نزل جبريل صلى الله عليه وسلم على يعقوب عليه السلام ، فقال : إن الله تبارك وتعالى بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك ، وأنه قد عفا عما صنعوا ، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة . [ ص: 282 ]
19949 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ، قال : والله لو كان قتل أبي عمران الجوني يوسف مضى لأدخلهم الله النار كلهم ، ولكن الله جل ثناؤه أمسك نفس يوسف ليبلغ فيه أمره ، ورحمة لهم . ثم يقول : والله ما قص الله نبأهم يعيرهم بذلك إنهم لأنبياء من أهل الجنة ، ولكن الله قص علينا نبأهم لئلا يقنط عبده .
وذكر أن يعقوب توفي قبل يوسف ، وأوصى إلى يوسف وأمره أن يدفنه عند قبر أبيه إسحاق .
ذكر من قال ذلك :
19950 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن ، قال : لما حضر الموت السدي يعقوب ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه عند إبراهيم وإسحاق ، فلما مات ، نفخ فيه المر وحمل إلى الشأم . قال : فلما بلغوا إلى ذلك المكان أقبل عيصا أخو يعقوب فقال : غلبني على الدعوة ، فوالله لا يغلبني على القبر! فأبى أن يتركهم أن يدفنوه . فلما احتبسوا ، قال هشام بن دان بن يعقوب وكان هشام أصم لبعض إخوته : ما لجدي لا يدفن! قالوا : هذا عمك يمنعه! قال : أرونيه أين هو؟ فلما رآه ، رفع هشام يده فوجأ بها رأس العيص وجأة سقطت عيناه على فخذ يعقوب ، فدفنا في قبر واحد .