قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : الله ، يا محمد هو الذي رفع السماوات السبع بغير عمد ترونها ، فجعلها للأرض سقفا مسموكا .
و "العمد" جمع "عمود" وهي السواري ، وما يعمد به البناء ، كما قال النابغة :
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
[ ص: 323 ]وجمع "العمود" "عمد" كما جمع الأديم : "أدم" ولو جمع بالضم فقيل : "عمد" جاز ، كما يجمع "الرسول" "رسل" ، و "الشكور" "شكر" .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) .
فقال بعضهم : تأويل ذلك : الله الذي رفع السماوات بعمد لا ترونها .
ذكر من قال ذلك :
20051 - حدثنا أحمد بن هشام قال : حدثنا معاذ بن معاذ قال : حدثنا عمران بن حدير ، عن عكرمة قال : قلت : إن فلانا يقول : إنها على عمد يعني السماء؟ قال : فقال : اقرأها ( لابن عباس بغير عمد ترونها ) : أي لا ترونها .
20052 - حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .
20053 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عفان قال : حدثنا حماد قال : حدثنا حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد في قوله : ( بغير عمد ترونها ) ، قال : بعمد لا ترونها .
20054 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد ، في قول الله : ( بغير عمد ترونها ) قال : هي : لا ترونها . [ ص: 324 ]
20055 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( بغير عمد ) يقول : عمد [ لا ترونها ] .
20056 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20057 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن وقتادة قوله : ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال قتادة : قال ابن عباس : بعمد ولكن لا ترونها .
20058 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قوله : ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال : ما يدريك؟ لعلها بعمد لا ترونها .
ومن تأول ذلك كذلك ، قصد مذهب تقديم العرب الجحد من آخر الكلام إلى أوله ، كقول الشاعر
ولا أراها تزال ظالمة تحدث لي نكبة وتنكؤها
[ ص: 325 ]
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ فدعه وواكل حاله واللياليا
يجئن على ما كان من صالح به وإن كان فيما لا يرى الناس آليا
وقال آخرون ، بل هي مرفوعة بغير عمد .
ذكر من قال ذلك :
20059 - حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : أخبرنا آدم قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن إياس بن معاوية ، في قوله : ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) قال : السماء مقببة على الأرض مثل القبة .
20060 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( بغير عمد ترونها ) قال : رفعها بغير عمد .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال الله تعالى : ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) فهي مرفوعة بغير عمد نراها ، كما قال ربنا جل ثناؤه . ولا خبر بغير ذلك ، ولا حجة يجب التسليم لها بقول سواه .
وأما قوله : ( ثم استوى على العرش ) فإنه يعني : علا عليه .
وقد بينا معنى الاستواء واختلاف المختلفين فيه ، والصحيح من القول فيما قالوا فيه ، بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 326 ]
وقوله : ( وسخر الشمس والقمر ) يقول : وأجرى الشمس والقمر في السماء ، فسخرهما فيها لمصالح خلقه ، وذللهما لمنافعهم ، ليعلموا بجريهما فيها عدد السنين والحساب ، ويفصلوا به بين الليل والنهار .
وقوله : ( كل يجري لأجل مسمى ) يقول جل ثناؤه : كل ذلك يجري في السماء ( لأجل مسمى ) : أي : لوقت معلوم ، وذلك إلى فناء الدنيا وقيام القيامة التي عندها تكور الشمس ، ويخسف القمر ، وتنكدر النجوم .
وحذف ذلك من الكلام لفهم السامعين من أهل لسان من نزل بلسانه القرآن معناه ، وأن ( "كل" ) لا بد لها من إضافة إلى ما تحيط به .
وبنحو الذي قلنا في قوله : ( لأجل مسمى ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20061 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ) قال : الدنيا .
وقوله : ( يدبر الأمر ) يقول تعالى ذكره : يقضي الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها أمور الدنيا والآخرة كلها ، ويدبر ذلك كله وحده ، بغير شريك ولا ظهير ولا معين ، سبحانه .
[ ص: 327 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20062 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( يدبر الأمر ) يقضيه وحده .
20063 - . . . . . . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
20064 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، بنحوه .
وقوله : ( يفصل الآيات ) يقول : يفصل لكم ربكم آيات كتابه ، فيبينها لكم احتجاجا بها عليكم ، أيها الناس ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) يقول : لتوقنوا بلقاء الله ، والمعاد إليه ، فتصدقوا بوعده ووعيده ، وتنزجروا عن عبادة الآلهة والأوثان ، وتخلصوا له العبادة إذا أيقنتم ذلك .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20065 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( لعلكم بلقاء ربكم توقنون ) ، وإن الله تبارك وتعالى إنما أنزل كتابه وأرسل رسله ، لنؤمن بوعده ، ونستيقن بلقائه .