القول في تأويل قوله تعالى : ( ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ( 4 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ( وفي الأرض قطع متجاورات ) ، وفي الأرض قطع منها متقاربات متدانيات ، يقرب بعضها من بعض بالجوار ، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها وقرب بعضها من بعض ، فمنها قطعة سبخة لا تنبت شيئا في جوار قطعة طيبة تنبت وتنفع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 331 ]
20067 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : السبخة والعذية ، والمالح والطيب .
20068 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : سباخ وعذوية .
20069 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
20070 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا سعيد بن سليمان قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن ابن عباس في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : العذية والسبخة .
20071 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني الأرض السبخة ، والأرض العذية ، يكونان جميعا متجاورات ، يفضل بعضها على بعض في الأكل .
20072 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس : ( قطع متجاورات ) العذية والسبخة ، [ ص: 332 ] متجاورات جميعا ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت .
20073 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( قطع متجاورات ) طيبها : عذبها ، وخبيثها : السباخ .
20074 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
20075 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20076 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قرى قربت متجاورات بعضها من بعض .
20077 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : قرى متجاورات .
20078 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك ، في قوله : ( قطع متجاورات ) قال : الأرض السبخة ، تليها الأرض العذية .
20079 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) يعني : الأرض السبخة والأرض العذية متجاورات بعضها عند بعض .
20080 - حدثنا الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : الأرض تنبت حلوا ، والأرض تنبت حامضا ، وهي متجاورة تسقى بماء واحد .
20081 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : يكون هذا حلوا وهذا حامضا ، وهو يسقى بماء واحد ، وهن متجاورات .
20082 - حدثني عبد الجبار بن يحيى الرملي قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب في قوله : ( وفي الأرض قطع متجاورات ) قال : عذية ومالحة .
وقوله : ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) يقول تعالى ذكره : وفي الأرض مع القطع المختلفات المعاني منها ، بالملوحة والعذوبة ، والخبث والطيب ، مع تجاورها وتقارب بعضها من بعض ، بساتين من أعناب وزرع ونخيل أيضا ، متقاربة في الخلقة مختلفة في الطعوم والألوان ، مع اجتماع جميعها على شرب واحد . فمن طيب طعمه منها حسن منظره طيبة رائحته ، ومن حامض طعمه ولا رائحة له . [ ص: 334 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20083 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال : مجتمع وغير مجتمع تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضه حلو ، وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .
20084 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( وجنات ) قال : وما معها .
20085 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد
20086 - قال المثنى : وحدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( وزرع ونخيل ) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والكوفة : ( " وزرع ونخيل" ) بالخفض عطفا بذلك على "الأعناب" ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات ، وجنات من أعناب ومن زرع ونخيل .
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل البصرة : ( وزرع ونخيل ) بالرفع عطفا بذلك على "الجنات" ، بمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب ، وفيها أيضا زرع ونخيل .
[ ص: 335 ]
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، وقرأ بكل واحدة منهما قرأة مشهورون ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وذلك أن "الزرع والنخيل" إذا كانا في البساتين فهما في الأرض ، وإذا كانا في الأرض فالأرض التي هما فيها جنة ، فسواء وصفا بأنهما في بستان أو في أرض .
وأما قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) .
فإن "الصنوان" جمع "صنو" وهي النخلات يجمعهن أصل واحد ، لا يفرق فيه بين جميعه واثنيه إلا بالإعراب في النون ، وذلك أن تكون نونه في اثنيه مكسورة بكل حال ، وفي جميعه متصرفة في وجوه الإعراب ، ونظيره "القنوان" واحدها "قنو" .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20087 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن وكيع ، سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : ( صنوان ) قال : المجتمع ( وغير صنوان ) : المتفرق .
20088 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا قال : حدثنا يحيى بن واضح الحسين ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : ( صنوان ) : هي النخلة التي إلى جنبها نخلات إلى أصلها ، ( وغير صنوان ) : النخلة وحدها .
20089 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن ( البراء بن عازب : صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" النخلتان أصلهما واحد ، ( وغير صنوان ) النخلة والنخلتان المتفرقتان .
20090 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا [ ص: 336 ] شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول في هذه الآية قال : النخلة تكون لها النخلات ( وغير صنوان ) النخل المتفرق .
20091 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ، ويحيى بن عباد وعفان ، واللفظ لفظ أبي قطن قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان " : النخلة إلى جنبها النخلات ( وغير صنوان ) : المتفرق .
20092 - حدثنا الحسن قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" النخلات الثلاث والأربع والثنتان أصلهن واحد ( وغير صنوان ) ، المتفرق .
20093 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان وشريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : النخلتان يكون أصلهما واحدا ( وغير صنوان ) : المتفرق .
20094 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( صنوان ) يقول : مجتمع .
20095 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) يعني بالصنوان : النخلة يخرج من أصلها النخلات ، فيحمل بعضه ولا يحمل بعضه ، فيكون أصله واحدا ورءوسه متفرقة .
20096 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا إسرائيل ، [ ص: 337 ] عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) النخيل في أصل واحد وغير صنوان : النخيل المتفرق .
20097 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال : مجتمع ، وغير مجتمع .
20098 - حدثني المثنى قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : "الصنوان" ما كان أصله واحدا وهو متفرق ( وغير صنوان ) : الذي نبت وحده .
20099 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( صنوان ) النخلتان وأكثر في أصل واحد ( وغير صنوان ) وحدها .
20100 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( صنوان ) : النخلتان أو أكثر في أصل واحد ، ( وغير صنوان ) واحدة .
20101 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20102 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ، عن وكيع سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : ( صنوان وغير صنوان ) قال : الصنوان : المجتمع ، أصله واحد ، وغير صنوان : المتفرق أصله .
20103 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : أخبرنا عمرو بن عون هشيم [ ص: 338 ] ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" المجتمع الذي أصله واحد ( وغير صنوان ) : المتفرق .
20104 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) أما "الصنوان" فالنخلتان والثلاث أصولهن واحدة وفروعهن شتى ، ( وغير صنوان ) ، النخلة الواحدة .
20105 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( صنوان وغير صنوان ) قال : صنوان : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد .
20106 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ونخيل صنوان وغير صنوان ) قال : "الصنوان" النخلتان أو الثلاث يكن في أصل واحد ، فذلك يعده الناس صنوانا .
20107 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : حدثني رجل : . [ ص: 339 ] أنه كان بين عمر بن الخطاب وبين العباس قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ألم تر عباسا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه ، فذكرت مكانه منك فكففت : فقال : يرحمك الله ، إن عم الرجل صنو أبيه
20108 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( ( صنوان ) ) : النخلة التي يكون في أصلها نخلتان وثلاث أصلهن واحد؛ قال : . فكان بين عمر بن الخطاب وبين العباس رضي الله عنهما قول ، فأسرع إليه العباس ، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ألم تر عباسا فعل بي وفعل! فأردت أن أجيبه . فذكرت مكانه منك فكففت عند ذلك ، فقال : يرحمك الله إن عم الرجل صنو أبيه
20109 - . . . . قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن داود بن شابور ، عن مجاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . لا تؤذوني في العباس فإنه بقية آبائي ، وإن عم الرجل صنو أبيه
20110 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أبي مليكة . قال لعمر : يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟
20111 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : أخبرني ابن جريج القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد : ( صنوان ) قال : في أصل واحد ثلاث نخلات ، كمثل ثلاثة بني أم وأب يتفاضلون في العمل ، كما [ ص: 340 ] يتفاضل ثمر هذه النخلات الثلاث في أصل واحد قال : قال ابن جريج مجاهد : كمثل صالح بني آدم وخبيثهم ، أبوهم واحد .
20112 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عن حجاج بن محمد ، قال : أخبرني ابن جريج إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الله ، عن مجاهد ، نحوه .
20113 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن الحسن قال : هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم .
كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة ، فسطحها وبطحها ، فصارت الأرض قطعا متجاورة ، فينزل عليها الماء من السماء ، فتخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها . وتخرج نباتها وتحيي مواتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبثها ، وكلتاهما تسقى بماء واحد .
فلو كان الماء مالحا ، قيل : إنما استسبخت هذه من قبل الماء! كذلك الناس خلقوا من آدم ، فتنزل عليهم من السماء تذكرة ، فترق قلوب فتخشع وتخضع ، وتقسو قلوب فتلهو وتسهو وتجفو .
قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال الله : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ سورة الإسراء : 82 ] .
وقوله : ( "تسقى بماء واحد " ) اختلفت القرأة في قوله ( تسقى ) .
فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والعراق من أهل الكوفة والبصرة : ( تسقى ) بالتاء ، بمعنى : تسقى الجنات والزرع والنخيل . وقد كان بعضهم يقول : إنما قيل : ( تسقى ) ، [ ص: 341 ] بالتاء لتأنيث "الأعناب" .
وقرأ ذلك بعض المكيين والكوفيين : ( يسقى ) بالياء .
وقد اختلف أهل العربية في وجه تذكيره إذا قرئ كذلك ، وإنما ذلك خبر عن الجنات والأعناب والنخيل والزرع أنها تسقى بماء واحد .
فقال بعض نحويي البصرة : إذا قرئ ذلك بالتاء ، فذلك على "الأعناب" كما ذكر الأنعام في قوله : ( مما في بطونه ) [ سورة النحل : 66 ] وأنث بعد فقال : ( وعليها وعلى الفلك تحملون ) ، [ سورة المؤمنون : 22 - سورة غافر : 80 ] .
فمن قال : ( يسقى ) بالياء جعل "الأعناب" مما تذكر وتؤنث ، مثل "الأنعام" .
وقال بعض نحويي الكوفة : من قال : ( تسقى ) ذهب إلى تأنيث "الزرع والجنات والنخيل" ومن ذكر ذهب إلى أن ذلك كله يسقى بماء واحد ، وأكله مختلف حامض وحلو ، ففي هذا آية .
قال أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي أن أقرأ بها ، قراءة من قرأ ذلك بالتاء : ( "تسقى بماء واحد" ) على أن معناه : تسقى الجنات والنخل والزرع بماء واحد ، لمجيء ( تسقى ) بعد ما قد جرى ذكرها ، وهي جماع من غير بني آدم ، وليس الوجه الآخر بممتنع على معنى يسقى ذلك بماء واحد ، أي جميع ذلك يسقى بماء واحد عذب دون المالح .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 342 ]
20114 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( " تسقى بماء واحد " ) ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد .
20115 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : ( "تسقى بماء واحد " ) قال : ماء السماء .
20116 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .
20117 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك : ( تسقى بماء واحد ) قال : ماء المطر .
20118 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، قرأه ، عن ابن جريج مجاهد : ( تسقى بماء واحد ) قال : ماء السماء ، كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد .
20119 . . . . . . قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
20120 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، نحوه .
20121 - حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن ابن شوذب : ( تسقى بماء واحد ) قال : بماء السماء .
[ ص: 343 ] وقوله : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأه عامة قرأة المكيين والمدنيين والبصريين وبعض الكوفيين : ( ونفضل ) ، بالنون بمعنى : ونفضل نحن بعضها على بعض في الأكل .
وقرأته عامة قرأة الكوفيين : ( ويفضل ) بالياء ، ردا على قوله : ( يغشي الليل النهار ) ويفضل بعضها على بعض .
قال أبو جعفر : وهما قراءتان مستفيضتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . غير أن "الياء" أعجبهما إلي في القراءة؛ لأنه في سياق كلام ابتداؤه : ( الله الذي رفع السماوات ) ، فقراءته بالياء ، إذ كان كذلك أولى .
ومعنى الكلام : إن الجنات من الأعناب والزرع والنخيل الصنوان وغير الصنوان ، تسقى بماء واحد عذب لا ملح ، ويخالف الله بين طعوم ذلك ، فيفضل بعضها على بعض في الطعم ، فهذا حلو وهذا حامض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20122 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ، عن وكيع سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الفارسي والدقل ، والحلو والحامض . [ ص: 344 ]
20123 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الأرض الواحدة يكون فيها الخوخ والكمثرى والعنب الأبيض والأسود ، وبعضها أكثر حملا من بعض ، وبعضه حلو وبعضه حامض ، وبعضه أفضل من بعض .
20124 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : حدثنا عارم أبو النعمان حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : برني وكذا وكذا ، وهذا بعضه أفضل من بعض .
20125 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : هذا حامض ، وهذا حلو ، وهذا مز .
20126 - حدثني محمود بن خداش قال : حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان الثوري قال : حدثنا الأعمش عن أبي صالح ، عن قال : أبي هريرة ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الدقل والفارسي والحلو والحامض . [ ص: 345 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (
20127 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي قال : حدثنا عبيد الله بن عمر الرقي ، عن عن زيد بن أبي أنيسة ، الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ، أبي هريرة ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) قال : الدقل والفارسي والحلو والحامض . عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله : (
وقوله : ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) يقول تعالى ذكره : إن في مخالفة الله عز وجل بين هذه القطع [ من ] الأرض المتجاورات وثمار جناتها وزروعها على ما وصفنا وبينا ، لدليلا واضحا وعبرة لقوم يعقلون اختلاف ذلك ، أن الذي خالف بينه على هذا النحو الذي خالف بينه ، هو المخالف بين خلقه فيما قسم لهم من هداية وضلال وتوفيق وخذلان ، فوفق هذا وخذل هذا ، وهدى ذا وأضل ذا ، [ ص: 346 ] ولو شاء لسوى بين جميعهم ، كما لو شاء سوى بين جميع أكل ثمار الجنة التي تشرب شربا واحدا ، وتسقى سقيا [ واحدا ] ، وهي متفاضلة في الأكل .