القول في والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ( 8 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : وخلق الخيل والبغال والحمير لكم أيضا لتركبوها وزينة : يقول : وجعلها لكم زينة تتزينون بها مع المنافع التي فيها لكم ، للركوب وغير ذلك ، ونصب الخيل والبغال عطفا على الهاء والألف في قوله ( خلقها ) ، ونصب الزينة بفعل مضمر على ما بينت ، ولو لم يكن معها واو وكأن الكلام : لتركبوها زينة ، كانت منصوبة بالفعل الذي قبلها الذي هي به متصلة ، ولكن دخول الواو آذنت بأن معها ضمير فعل ، وبانقطاعها عن الفعل الذي قبلها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( لتركبوها وزينة ) قال : جعلها لتركبوها ، وجعلها زينة لكم ، وكان بعض أهل العلم يرى أن في هذه الآية دلالة على تحريم . أكل لحوم الخيل
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح ، أبو ضمرة ، عن أبي إسحاق ، عن رجل ، عن ابن عباس ، قوله ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها ) قال : هذه للركوب . ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ) قال : هذه للأكل .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا قال : ثنا ابن علية ، ، قال : ثنا هشام الدستوائي عن مولى يحيى بن أبي كثير ، نافع بن علقمة : أن ابن عباس كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير ، وكان يقول : قال الله ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ) فهذه للأكل ، ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها ) فهذه للركوب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن عن ابن أبي ليلى ، المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس : أنه سئل عن لحوم الخيل ، فكرهها وتلا هذه الآية [ ص: 173 ] ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها ) . . . الآية .
حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا قيس بن الربيع ، عن عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو ، سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنه سئل عن لحوم الخيل ، فقال : اقرأ التي قبلها ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) فجعل هذه للأكل ، وهذه للركوب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن أبيه ، عن الحكم ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ) فجعل منه الأكل . ثم قرأ حتى بلغ ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها ) قال : لم يجعل لكم فيها أكلا . قال : وكان الحكم يقول : والخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله .
حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا ابن أبي غنية ، عن الحكم ، قال : لحوم الخيل حرام في كتاب الله ، ثم قرأ ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ) . . . إلى قوله ( لتركبوها ) . وكان جماعة غيرهم من أهل العلم يخالفونهم في هذا التأويل ، ويرون أن ذلك غير دال على تحريم شيء ، وأن الله جل ثناؤه إنما عرف عباده بهذه الآية وسائر ما في أوائل هذه السورة نعمه عليهم ونبههم به على حججه عليهم ، وأدلته على وحدانيته ، وخطأ فعل من يشرك به من أهل الشرك .
ذكر بعض من كان لا يرى بأسا بأكل لحم الفرس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن الأسود : أنه أكل لحم الفرس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم ، عن الأسود بنحوه .
حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : نحر أصحابنا فرسا في النجع وأكلوا منه ، ولم يروا به بأسا .
والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله أهل القول الثاني ، وذلك أنه لو كان في قوله تعالى ذكره ( لتركبوها ) دلالة على أنها لا تصلح ، إذ كانت [ ص: 174 ] للركوب للأكل - لكان في قوله : ( فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ) دلالة على أنها لا تصلح إذ كانت للأكل والدفء للركوب . وفي إجماع الجميع على أن ركوب ما قال تعالى ذكره ( ومنها تأكلون ) جائز حلال غير حرام ، دليل واضح على أن أكل ما قال ( لتركبوها ) جائز حلال غير حرام ، إلا بما نص على تحريمه أو وضع على تحريمه دلالة من كتاب أو وحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما بهذه الآية فلا يحرم أكل شيء . وقد وضع الدلالة على بوحيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى البغال بما قد بينا في كتابنا ، كتاب الأطعمة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، إذ لم يكن هذا الموضع من مواضع البيان عن تحريم ذلك ، وإنما ذكرنا ما ذكرنا ليدل على أنه لا وجه لقول من استدل بهذه الآية على تحريم لحم الفرس . تحريم لحوم الحمر الأهلية
حدثنا أحمد ، ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : . كنا نأكل لحم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : فالبغال؟ قال : أما البغال فلا
وقوله : ( ويخلق ما لا تعلمون ) يقول تعالى ذكره : ويخلق ربكم مع خلقه هذه الأشياء التي ذكرها لكم ما لا تعلمون مما أعد في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر .