القول في أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى حين أوحينا إلى أمك أن اقذفي ابنك موسى حين ولدتك في التابوت ( فاقذفيه في اليم ) يعني باليم النيل ( فليلقه اليم بالساحل ) يقول : فاقذفيه في اليم ، يلقه اليم بالساحل ، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر ، كأن اليم هو المأمور ، كما قال جل ثناؤه : ( اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ) يعني : اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم ، ففعلت ذلك أمه به فألقاه اليم بمشرعة آل فرعون .
كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : لما ولدت موسى أمه أرضعته ، حتى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إليه ، فصنعت به ما أمرها الله تعالى ، جعلته في تابوت صغير ، ومهدت له فيه ، ثم عمدت إلى النيل فقذفته فيه ، وأصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كل غداة ، فبينا هو جالس ، إذ مر النيل بالتابوت فقذف به وآسية ابنة مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه ، فقال : إن هذا لشيء في البحر ، فأتوني به ، فخرج إليه أعوانه حتى جاءوا به ، ففتح التابوت فإذا فيه صبي في مهده ، فألقى الله عليه محبته ، وعطف عليه نفسه . وعنى جل ثناؤه بقوله ( يأخذه عدو لي وعدو له ) فرعون هو العدو ، كان لله ولموسى . [ ص: 303 ] حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن في قوله ( السدي فاقذفيه في اليم ) وهو البحر ، وهو النيل .
واختلف أهل التأويل في معنى المحبة التي قال الله جل ثناؤه ( وألقيت عليك محبة مني ) فقال بعضهم : عنى بذلك أنه حببه إلى عباده .
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسين بن علي الصدائي والعباس بن محمد الدوري قالا ثنا عن حسين الجعفي موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل في قول الله ( وألقيت عليك محبة مني ) قال عباس : حببتك إلى عبادي ، وقال الصداني : حببتك إلى خلقي .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أي حسنت خلقك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني إبراهيم بن مهدي عن رجل ، عن الحكم بن أبان عن عكرمة قوله ( وألقيت عليك محبة مني ) قال : حسنا وملاحة .
قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله ألقى محبته على موسى ، كما قال جل ثناؤه ( وألقيت عليك محبة مني ) فحببه إلى آسية امرأة فرعون ، حتى تبنته وغذته وربته ، وإلى فرعون حتى كف عنه عاديته وشره ، وقد قيل : إنما قيل : وألقيت عليك محبة مني ، لأنه حببه إلى كل من رآه . ومعنى ( وألقيت عليك محبة مني ) حببتك إليهم ، يقول الرجل لآخر إذا أحبه : ألقيت عليك رحمتي : أي محبتي .