اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( ولتصنع على عيني ) فقال بعضهم : [ ص: 304 ] معناه : ولتغذى وتربى على محبتي وإرادتي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : هو غذاؤه ، ولتغذى على عيني .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولتصنع على عيني ) قال : جعله في بيت الملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأنت بعيني في أحوالك كلها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ( ابن جريج ولتصنع على عيني ) قال : أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت ، ثم في البحر ، و ( إذ تمشي أختك ) . وقرأ ابن نهيك ( ولتصنع ) بفتح التاء .
وتأوله كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح عبد المؤمن قال : سمعت أبا نهيك يقرأ ( ولتصنع على عيني ) فسألته عن ذلك ، فقال : ولتعمل على عيني .
قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها ( ولتصنع ) بضم التاء ، لإجماع الحجة من القراء عليها .
وإذا كان ذلك كذلك ، فأولى التأويلين به التأويل الذي تأوله قتادة وهو ( وألقيت عليك محبة مني ) ولتغذى على عيني ، ألقيت عليك المحبة مني ، وعنى بقوله ( على عيني ) بمرأى مني ومحبة وإرادة .
وقوله ( إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله ) يقول تعالى ذكره : حين تمشي أختك تتبعك حتى وجدتك ، ثم تأتي من يطلب المراضع لك ، فتقول : هل أدلكم على من يكفله؟ وحذف من الكلام ما ذكرت بعد قوله ( إذ تمشي أختك ) استغناء بدلالة الكلام عليه .
وإنما قالت أخت موسى ذلك لهم لما حدثنا موسى بن هارون قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن قال : لما ألقته أمه في اليم ( السدي قالت لأخته قصيه ) فلما التقطه آل فرعون ، وأرادوا له المرضعات ، فلم يأخذ من أحد من [ ص: 305 ] النساء ، وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع ، فأبى أن يأخذ ، فقالت أخته : ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) ؟ فأخذوها وقالوا : بل قد عرفت هذا الغلام ، فدلينا على أهله ، قالت : ما أعرفه ، ولكن إنما قلت هم للملك ناصحون .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : قالت ، يعني : أم موسى لأخته : قصيه فانظري ماذا يفعلون به ، فخرجت في ذلك ( فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون ) وقد احتاج إلى الرضاع والتمس الثدي ، وجمعوا له المراضع حين ألقى الله محبتهم عليه ، فلا يؤتى بامرأة فيقبل ثديها ، فيرمضهم ذلك ، فيؤتى بمرضع بعد مرضع ، فلا يقبل شيئا منهم ، فقالت لهم أخته حين رأت من وجدهم به وحرصهم عليه ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ) أي لمنزلته عندكم وحرصكم على مسرة الملك ، وعنى بقوله : ( هل أدلكم على من يكفله ) هل أدلكم على من يضمه إليه فيحفظه ويرضعه ويربيه ، وقيل : معنى ( وكفلها زكريا ) ضمها .
وقوله ( فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ) يقول تعالى ذكره : فرددناك إلى أمك بعد ما صرت في أيدي آل فرعون ، كيما تقر عينها بسلامتك ونجاتك من القتل والغرق في اليم ، وكيلا تحزن عليك من الخوف من فرعون عليك أن يقتلك .
كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : لما قالت أخت موسى لهم ما قالت ، قالوا : هات ، فأتت أمه فأخبرتها ، فانطلقت معها حتى أتتهم ، فناولوها إياه ، فلما وضعته في حجرها أخذ ثديها ، وسروا بذلك منه ، ورده الله إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ، فبلغ لطف الله لها وله أن رد عليها ولدها وعطف عليها نفع فرعون وأهل بيته مع الأمنة من القتل الذي يتخوف على غيره ، فكأنهم كانوا من أهل بيت فرعون في الأمان والسعة ، فكان على فرش فرعون وسرره .
وقوله ( وقتلت نفسا ) يعني جل ثناؤه بذلك قتله القبطي الذي قتله حين استغاثه عليه الإسرائيلي فوكزه موسى . وقوله ( فنجيناك من الغم ) يقول تعالى ذكره : فنجيناك من غمك بقتلك النفس التي قتلت ، إذ أرادوا أن يقتلوك [ ص: 306 ] بها فخلصناك منهم ، حتى هربت إلى أهل مدين ، فلم يصلوا إلى قتلك وقودك .
وكان قتله إياه فيما ذكر خطأ ، كما حدثني واصل بن عبد الأعلى قال : ثنا عن أبيه ، عن محمد بن فضيل سالم عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ ، فقال الله له ( وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا ) " . إنما قتل
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو قالا ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( فنجيناك من الغم ) قال : من قتل النفس .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( فنجيناك من الغم ) النفس التي قتل .
واختلف أهل التأويل في وفتناك فتونا ) فقال بعضهم : ابتليناك ابتلاء واختبرناك اختبارا . تأويل قوله (
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( وفتناك فتونا ) يقول : اختبرناك اختبارا .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنى أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وفتناك فتونا ) قال : ابتليت بلاء .
حدثني العباس بن الوليد الآملي قال : ثنا قال : أخبرنا يزيد بن هارون أصبغ بن زيد الجهني قال : أخبرنا القاسم بن أيوب قال : ثني سعيد بن جبير قال : سألت عن قول الله عبد الله بن عباس لموسى ( وفتناك فتونا ) فسألته على الفتون ما هي؟ فقال لي : استأنف النهار يا فإن لها حديثا طويلا قال : فلما أصبحت غدوت على ابن جبير ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني ، قال : فقال ابن عباس : تذاكر فرعون وجلساؤه ما وعد الله إبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكا ، فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك وما يشكون ، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب ; فلما هلك قالوا : ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم ، فقال فرعون : فكيف ترون؟ قال : فأتمروا بينهم ، وأجمعوا أمرهم على [ ص: 307 ] أن يبعث رجالا معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل ، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه; فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، وأن الصغار يذبحون ، قالوا : يوشك أن تفنوا بني إسرائيل ، فتصيرون إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم ، فاقتلوا عاما كل مولود ذكر ، فيقل أبناؤهم ، ودعوا عاما لا تقتلوا منهم أحدا ، فتشب الصغار مكان من يموت من الكبار ، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم ، فتخافون مكاثرتهم إياكم ، ولن يقلوا بمن تقتلون ، فأجمعوا أمرهم على ذلك .
فحملت أم موسى بهارون في العام المقبل الذي لا يذبح فيه الغلمان ، فولدته علانية آمنة ، حتى إذا كان العام المقبل حملت بموسى ، فوقع في قلبها الهم والحزن ، وذلك من الفتون يا مما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به ، فأوحى الله إليها ( ابن جبير ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت ثم تلقيه في اليم ، فلما ولدته فعلت ما أمرت به حتى إذا توارى عنها ابنها أتاها إبليس ، فقالت في نفسها : ما صنعت بابني لو ذبح عندي ، فواريته وكفنته كان أحب إلي من أن ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابه ، فانطلق به الماء حتى أوفى به عند فرضة مستقى جواري آل فرعون فرأينه فأخذنه ، فهممن أن يفتحن الباب ، فقال بعضهن لبعض : إن في هذا مالا وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة فرعون بما وجدنا فيه ، فحملنه كهيئته لم يحركن منه شيئا ، حتى دفعنه إليها; فلما فتحته رأت فيه الغلام ، فألقي عليه منها محبة لم يلق مثلها منها على أحد من الناس ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) من كل شيء إلا من ذكر موسى ، فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم يريدون أن يذبحوه ، وذلك من الفتون يا فقالت للذباحين : انصرفوا عني ، فإن هذا الواحد لا يزيد في ابن جبير بني إسرائيل ، فآتي فرعون فأستوهبه إياه ، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمر بذبحه لم ألمكم ، فلما أتت به فرعون قالت ( قرة عين لي ولك ) قال فرعون : يكون لك ، وأما أنا فلا حاجة لي فيه ، فقال : والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت به ، لهداه الله به كما هدى به امرأته ، ولكن الله حرمه ذلك ، فأرسلت إلى من حولها من كل أنثى لها لبن ، لتختار له ظئرا ، فجعل كلما أخذته امرأة منهم لترضعه لم يقبل ثديها ، حتى [ ص: 308 ] أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت ، فحزنها ذلك ، فأمرت به فأخرج إلى السوق مجمع الناس ترجو أن تصيب له ظئرا يأخذ منها ، فلم يقبل من أحد ، وأصبحت أم موسى ، فقالت لأخته : قصيه واطلبيه ، هل تسمعين له ذكرا ، أحي ابني ، أو قد أكلته دواب البحر وحيتانه ؟ ونسيت الذي كان الله وعدها ، فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون ، فقالت من الفرح حين أعياهم الظئورات : أنا أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون ، فأخذوها وقالوا : وما يدريك ما نصحهم له ، هل يعرفونه حتى شكوا في ذلك ، وذلك من الفتون [ ص: 309 ] يا فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في ظئورة الملك ، ورجاء منفعته ، فتركوها ، فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر ، فجاءت ، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها حتى امتلأ جنباه ، فانطلق البشراء إلى ابن جبير امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا لابنك ظئرا ، فأرسلت إليها ، فأتيت بها وبه ، فلما رأت ما يصنع بها قالت : امكثي عندي حتى ترضعي ابني هذا فإني لم أحب حبه شيئا قط ، قال : فقالت : لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي ، فيضيع ، فإن طابت نفسك أن تعطينيه ، فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرا فعلت ، وإلا فإني غير تاركة بيتي وولدي ، وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها ، فتعاسرت على امرأة فرعون ، وأيقنت أن الله تبارك وتعالى منجز وعده ، فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها ، فأنبته الله نباتا حسنا ، وحفظه لما قضى فيه ، فلم يزل بنو إسرائيل وهم مجتمعون في ناحية المدينة يمتنعون به من الظلم والسخرة التي كانت فيهم .
فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى : أزيريني ابني فوعدتها يوما تزيرها إياه فيه ، فقالت لخواصها وظئورتها وقهارمتها : لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني بهدية وكرامة ليرى ذلك ، وأنا باعثة أمينة تحصي كل ما يصنع كل إنسان منكم ، فلم تزل الهدية والكرامة والتحف تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون ، فلما دخل عليها نحلته وأكرمته ، وفرحت به ، وأعجبها ما رأت من حسن أثرها عليه ، وقالت : انطلقن به إلى فرعون فلينحله ، وليكرمه ، فلما دخلوا به عليه جعلته في حجره ، فتناول موسى لحية فرعون حتى مدها ، فقال عدو من أعداء الله : ألا ترى ما وعد الله إبراهيم أنه سيصرعك ويعلوك ، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه وذلك من الفتون يا بعد كل بلاء ابتلي به وأريد به ، فجاءت ابن جبير امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت : ما بدا لك في هذا الصبي الذي قد وهبته لي ؟ قال : ألا ترين يزعم أنه سيصرعني ويعلوني ، فقالت : اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق ، ائت بجمرتين ولؤلؤتين ، فقربهن إليه ، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل ، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين ، فاعلم أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل ، فقرب ذلك إليه ، فتناول الجمرتين ، فنزعوهما منه مخافة أن تحرقا يده ، فقالت المرأة : ألا ترى ؟ فصرفه الله عنه بعد ما قد هم به ، وكان الله بالغا فيه أمره .
فلما بلغ أشده ، وكان من الرجال ، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة ، حتى امتنعوا كل امتناع ، فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة ، إذ هو برجلين يقتتلان ، أحدهما من بني إسرائيل ، والآخر من آل فرعون ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى واشتد غضبه ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل ، وحفظه لهم ، ولا يعلم الناس إلا أنما ذلك من قبل الرضاعة غير أم موسى ، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره ; فوكز موسى الفرعوني فقتله ، وليس يراهما أحد إلا الله والإسرائيلي فقال موسى حين قتل الرجل : ( هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ) ثم قال ( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) ( فأصبح في المدينة خائفا يترقب ) الأخبار ، فأتى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون ، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم في ذلك ، فقال : ابغوني قاتله ومن يشهد عليه ، لأنه لا يستقيم أن يقضي بغير بينة ولا ثبت ، فطلبوا له ذلك; فبينما هم يطوفون لا يجدون ثبتا ، إذ مر موسى من الغد ، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس وكره الذي رأى ، فغضب موسى ، فمد يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني قال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم ( إنك لغوي مبين ) فنظر الإسرائيلي موسى بعد ما قال ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه [ ص: 310 ] الفرعوني فخاف أن يكون بعد ما قال له ( إنك لغوي مبين ) أن يكون إياه أراد ، ولم يكن أراده ، وإنما أراد الفرعوني فخاف الإسرائيلي فحاجز الفرعوني فقال ( يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ) وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله ، فتتاركا; فانطلق الفرعوني إلى قومه ، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول : أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ؟ فأرسل فرعون الذباحين ، فسلك موسى الطريق الأعظم ، فطلبوه وهم لا يخافون أن يفوتهم . وجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة ، فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى ، فأخبره الخبر ، وذلك من الفتون يا . ابن جبير
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : ( فتونا ) قال : بلاء ، إلقاؤه في التابوت ، ثم في البحر ، ثم التقاط آل فرعون إياه ، ثم خروجه خائفا .
قال محمد بن عمرو وقال أبو عاصم : خائفا ، أو جائعا " شك أبو عاصم " ، وقال الحارث : خائفا يترقب ، ولم يشك .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله وقال : ( خائفا يترقب ) ، ولم يشك .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( وفتناك فتونا ) يقول : ابتليناك بلاء .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وفتناك فتونا ) هو البلاء على إثر البلاء .
وقال آخرون : معنى ذلك : أخلصناك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( وفتناك فتونا ) أخلصناك إخلاصا .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن يعلى بن مسلم قال : سمعت سعيد بن جبير يفسر هذا الحرف ( وفتناك فتونا ) قال : أخلصناك إخلاصا . [ ص: 311 ] قال أبو جعفر : وقد بينا فيما مضى من كتابنا هذا معنى الفتنة ، وأنها الابتلاء والاختبار بالأدلة المغنية عن الإعادة في هذا الموضع .
وقوله ( فلبثت سنين في أهل مدين ) وهذا الكلام قد حذف منه بعض ما به تمامه اكتفاء بدلالة ما ذكر عما حذف . ومعنى الكلام : وفتناك فتونا ، فخرجت خائفا إلى أهل مدين ، فلبثت سنين فيهم .
وقوله ( ثم جئت على قدر يا موسى ) يقول جل ثناؤه : ثم جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون رسولا ولمقداره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ثم جئت على قدر يا موسى ) يقول : لقد جئت لميقات يا موسى .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن مجاهد قال ( على قدر يا موسى ) قال : موعد .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد قال : على ذي موعد .
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : ( على قدر يا موسى ) قال : قدر الرسالة والنبوة ، والعرب تقول : جاء فلان على قدر : إذا جاء لميقات الحاجة إليه ; ومنه قول الشاعر :
نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر